آخر تحديث: 30 / 4 / 2025م - 12:54 ص

كيف لهكذا عقول أن تبني وطن!

اقرأ أيضاً

الأمم تتعلم من تجاربها وتجارب الآخرين فتبني أوطانها في بيئة تسودها الحرية والتنوع الفكري على اختلاف مذاهبهم ودياناتهم وأعراقهم. أما في أوطاننا فللأسف مازالت هناك عقول تريد أن ترجع بنا إلى أيام الجاهلية الأولى حيث لا قيمة للعقل لأنه هو الآخر أصبح ”بدعة“ في نظرهم. فبعد أكثر من ألف وأربعمائة سنة عندما كانت توأد البنات وهن أحياء، نشهد اليوم أحداثا لا تقل شناعة وبشاعة عما كان عليه الحال. فالنساء اليوم يسقن إلى سوق النخاسة ليبتاعوهن وتقبض أثمانهن على أنهن غنائم حرب، هذ بعد أن يقتل رجالهم وأطفالهم لمجرد اختلافهم في دين. كل هذا يحصل في بلاد المسلمين من قبل أوباش لا يعرفون الرحمة ولا الإنسانية، كل ذلك وهم يعتقدون أنهم يحسنون صنعا.

فالفاجعة الأليمة التي ألحقها ثلة من الإرهابيين بأبناء لنا مسالمين ومحبين لهذا الوطن لأمر بغيض تشمئز له النفوس وتهتز له له الضمائر وهو أمر مدان بكل المقاييس. هذه المصيبة فتحت جرحا كبيرا لا تداويه التعازي ولا المواساة بقدر ما ينتظره المواطنون من وقفة حق تضع نهاية لهذا الوحش الغاشم بشتى الوسائل والسبل ابتداء من لجم ألسن من يعبثون بأمن هذا الوطن من خلال بثهم لسمومهم وعبثهم الغير مسئول بعقول شبابنا حتى أصبحوا لقمة سائغة في أيديهم، مرة يسوقونهم الى أماكن الصراع خارج الوطن، يفنون فيها أنفسهم في حروب قد أوهموهم بأنها تدخلهم الجنة وكأن الجنة خلقت للتكفيريين أمثالهم ومن تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء، ومرة أخرى يحركونهم في الداخل لتهديد السلم الأهلي وقتل المواطنين ورجال الأمن.

اليوم الوطن يئن لفقد كوكبة من شباب ”الدالوة“ لا لذنب اقترفوه إلا تعبيرهم عن حبهم لآل بيت النبي. ويالها من جريمة استبيحت على أثرها دماءهم الطاهرة. الوطن والمواطنة لا تبنى بالكراهية والحقد والتحريض بالقتل لكل من يختلف في الرأي. فالإختلاف والتنوع هو سنة الخلق منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها والآية الكريمة ”يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ“ لخير دليل على أن شذاذ العقول لا يقرأون وإن قرأوا فهم لا يفقهون شيئا، وما تعلقهم بالدين إلا مطية توصلهم إلى مآربهم الشيطانية فيفسرون الآيات على أهوائهم وكيفما اشتهوا.

ما حدث سيبقى جرحا في قلوب أمهات وعوائل الفاقدين لهؤلاء الشباب من مواطنين ورجال أمن. ربط الله على قلوب أهليهم وعظم مصابهم. يبقى هناك الكثير مما يمكن فعله للحد من انتشار هذا السرطان الذي بات يفتك بالأمة أينما وجدت، والحديث عن هذه المشكلة في يوم أو يومين ثم نسيانه كأن لم يكن لن ينهي ذلك المرض الخبيث، بل بات على أصحاب القرار أن يضعوا استراتيجية شاملة تحد من انتقال ذلك الشرر إلى أماكن أخرى من بلدنا الحبيب. أولها يتمثل في لجم تلك الأفواه التي تنعق ليل نهار في بعض القنوات والصحف ووسائل التواصل الإجتماعي والتي ليس لها شغل يشغلها غير تأجيج الفتنة وروح الطائفية والإنشقاق بين أفراد المجتمع الواحد، مما ينذر بأن القادم أسوأ إذا لم توضع نهاية تحسم فيها هذه القضية بما يخدم الوطن والمواطنين بجميع مكوناته، فالوطن للجميع وحمايته تتطلب تعاون كل من ينبض قلبه بالحب لهذه الأرض ومن عليها. أما إذا تقاعسنا وتركت الأمور على عواهلها فإن ذلك بمثابه من يعطي الضوء الأخضر لذلك الحريق أن يكبر ويتسع ليلتهم الأخضر واليابس ولا يبقي باقية.

ثانيا على الإعلام والتربية والتعليم نشر ثقافة الحب لتحل محل الكراهية لأننا لا يمكننا كحكومة وشعب أن نعمر بلدنا في الوقت الذي تروج فيه الكراهية للآخر وكأن الوطن وجد لشريحة محددة بعينها دون غيرها. وفي هذا المقام لابد من توجيه كلمة لكل من اسود قلبه وامتلأ حقدا، أنت لم يختارك الخالق وصيا على بقية الخلق فإما أن يتبعوا طريقك الظلامي أو أن يكون مصيرهم الهلاك على يدك.

على الجميع أن يعتبروا مما يحصل في بلدان ليست ببعيدة عنا، كانت تنعم بالأمن والأمان قبل أن تشتعل فيها نار الطائفية فأصبح العيش فيها ضربا من المستحيل، فقتل من قتل وشرد من شرد ومن تبقى لا يعرف إذا كان سيرى شمس اليوم القادم أم لا. اليوم ونحن قد دخلنا فصلا جديدا من فصول الإرهاب الذي يستهدف الأبرياء من المواطنين، فهذا نذير شؤم على المجتمع بأكمله لأنه لا يمكن لأي جهة حكومية أو مدنية أن تتنبأ بالمكان ولا الزمان الذي يخبئه خفافيش الليل هؤلاء ليفتكوا بضحيتهم القادمة.

السؤال الذي يراودني في هذه اللحظة هو ”هل نحن بالفعل نحب هذا الوطن، وإذا كان الجواب“ نعم".. كيف لهكذا عقول أن تبني وطن..!