آخر تحديث: 20 / 9 / 2025م - 11:54 م

ترنيمة وطن

رائدة السبع * صحيفة اليوم

في طريقي إلى العمل، رأيت أجمل مدينة عربية، الخبر، تتزيّن بالأعلام الخضراء. لم تكن مجرد قماش، بل علامات حياة تهز القلب. كيف يمكن لراية واحدة أن تصنع فرح شعب، وتوحّد قلب وطن، وتصبح سيمفونية تُسمع بلا أوتار، تتداخل فيها كل النغمات من أصوات الناس إلى إيقاعات الأرض؟ وكأن الوطن بأكمله أوركسترا كبرى، يعلو فيها صوت الأمن، والاقتصاد، والإنسان، والثقافة، والأرض، إلى أن ترتفع الراية كذروة عزف أبدي.

في كل يوم نصغي إلى سيمفونية حيّة تُعزف على أرض المملكة، تبدأ بأجراس الأمن التي تمنح الطمأنينة وتثبت الإيقاع، فتمضي وزارة الداخلية ووزارة الدفاع ووزارة الحرس الوطني كمزامير رنانة تبث الثبات في القلوب. وما أن يستقر الإيقاع حتى يدخل الاقتصاد بأوتاره العميقة، تضرب وزارة الطاقة طبولها، وتلمع الاستثمارات كبريق في السلم الموسيقي، ويعلو مقام الوطن كما قال محمد عبده: فوق هام السحب.

ثم يتقدّم الإنسان كأرقى الأصوات وألطفها؛ فيصوغ التعليم العقول، وتحفظ الصحة الأجساد، وتمنح التنمية الاجتماعية اليد عملاً والروح أفقًا، فيتحول العزف من الصلابة إلى الرقة، ومن القوة إلى الحياة. ولا يكتمل اللحن من دون ألوان الثقافة التي تأتي كالكمان والناي، فتكتب القصة، وتفتح السياحة النوافذ للعالم، وتوزّع الإعلام الصدى، وتوقظ الرياضة الحماسة، وتضيف مواسم الحج والعمرة البعد الروحاني الذي يجعل السيمفونية حضارية وإنسانية في آن..

تتسع الرقعة ليشارك المسرح كله في العزف؛ فالأرض ليست خلفية صامتة بل مسرح حيّ: تمنح البيئة منابع الماء، وتعطي الزراعة خضرتها، وتعيد المدن ملامحها عبر الإسكان، وتبني الاتصالات والنقل جسورًا تصل الداخل بالعالم. وهكذا يتناغم الصوت الإنساني مع نبض الأرض حتى تقترب اللحظة الأخيرة، حيث ترتفع الراية لا كقطعة قماش، بل كذروة عزفٍ عظيم؛ كل وزارة لحن، كل مشروع إيقاع، وكل مواطن صوت.

عندها يكتمل العمل الكبير، وتقول المملكة للعالم: أنا السعودي... سيف وهيبة.

لتبقى السيمفونية مستمرة، تُعزف كل يوم بإيقاع متجدد، وحلم أبدي لا يعرف الصمت.

حفظ الله المملكة ومليكها وولي عهدها الأمين، وحفظ الله شعبها العظيم، وكل عام والوطن بخير