مقبل الذكير.. شاهد نجدي على التحوّلات الكبرى
في زمن تضخّمت فيه الأسماء، وقلّت المساهمات الحقيقية، من النادر أن نصادف شخصية ك الشيخ مقبل بن عبد العزيز الذكير؛ رجل حمل القلم حين كان السكوت أسلم، ووثّق اللحظة حين كانت الذاكرة لا تزال رطبة بالمواقف لا بالكلام.
في رحلة بحث مضنية، وعلى الرغم من قلّة المراجع، لم أجد غموض الذكير حاجزًا، بل وجدته دعوة مفتوحة لقراءة التاريخ بنَفَس مختلف… ذلك الذي يقدّر الندرة ويُعيد الاعتبار لـ المجهود الشخصي النزيه.
وقد واجهتُ مشقة حقيقية في الوصول إلى معلومات موثوقة عن هذه الشخصية النادرة، بسبب شُح التوثيق وضعف التناول الإعلامي، لكن الحمد لله، وفقت بعد جهد جهيد في الوصول إلى مصادر ومقتطفات متفرقة كوّنت منها هذه السردية التاريخية بدقة ومسؤولية.
وُلد الشيخ مقبل بن عبد العزيز الذكير عام 1300 هـ / 1882 م في المدينة المنورة، وانتقل في سنٍ مبكرة إلى عنيزة في منطقة القصيم، حيث نشأ وتعلم القراءة والكتابة في الكتاتيب النجدية، وسط بيئة محافظة تقدّر العلم والتجارة.
ينتمي إلى أسرة الذكير المعروفة، من قبيلة بني خالد «فرع الأساعدة من عتيبة»، وهي أسرة لها جذور في التجارة والإدارة، ساهمت في خدمة الدولة والمجتمع على مرّ أجيال.
في سن الرابعة عشرة فقط، قرر الذكير الرحيل إلى الكويت، في خطوة جريئة لشاب في مقتبل العمر، بحثًا عن العلم والتجربة التجارية. وهناك، تتلمذ على يد علماء كويتيين، واكتسب مهارات وخبرات متعددة، صنعت منه شخصية متعددة الأوجه: طالب علم، ورجل أعمال، ومثقف واعٍ لتحولات عصره.
امتهن الذكير تجارة اللؤلؤ، وكانت تلك التجارة في مطلع القرن العشرين من أبرز أعمدة الاقتصاد الخليجي.
تنقل بين الكويت، البحرين، العراق، والهند، وبنى شبكة علاقات قوية. إلا أن الأهم من ذلك، أنه بدأ في توثيق كل ما يشاهده ويسمعه، لا كمجرد مسافر، بل كمؤرخ يُدرك أهمية اللحظة.
وما يميّزه أنه لم يكن يدوّن الوقائع فقط، بل يحاول فهمها وتحليلها وربطها بسياقاتها الاجتماعية والسياسية، وهو ما يجعل كتاباته أكثر قيمة من مجرد تقارير زمنية.
في عام 1343 هـ / 1925 م تقريبًا، عُيّن الشيخ مقبل الذكير مديرًا لمالية الأحساء بأمر من الملك عبد العزيز آل سعود، وهو منصب مهم في تلك المرحلة الدقيقة من تاريخ الدولة السعودية الثالثة.
وقد أتاح له هذا المنصب أن يكون شاهدًا إداريًا مباشرًا على عمليات التأسيس والتنظيم الإداري والمالي للدولة الناشئة.
بعدها، عاد ليستقر في البحرين، التي كانت بمثابة الوطن الثاني له، حيث واصل نشاطه الثقافي والتجاري إلى أن توفي فيها عام 1363 هـ / 1944 م.
يُعد الذكير من أوائل من وثّقوا تاريخ نجد من أهلها، لا من مستشرقين أو رواة من الخارج.
من أهم أعماله:
1. العقود الدرية في تاريخ البلاد النجدية
- وهو عمل تأريخي ضخم ومفصّل، كتبه بأسلوب شخصي توثيقي، يعتمد على مشاهداته وروايات معاصريه. يُعد مصدرًا هامًا لفهم مراحل تأسيس الدولة السعودية الثالثة.
2. مطالع السعود في تاريخ نجد وآل سعود
- يُعتقد أن هذا العمل مفقود أو ضائع، لكن تمت الإشارة إليه في مراجع أخرى كمصدر غني بالمعلومات عن الدولة السعودية الثانية وسقوطها.
• الحذر والدقة في النقل.
• الاعتماد على مصادر مباشرة وشخصية.
• رؤية اجتماعية واقتصادية بجانب السياسية.
• نزعة تحليلية تُبرز فكره النقدي كمؤرخ لا تابع.
رغم أن الذكير يُعد نجديًا قلبًا وقالبًا، إلا أن تجاربه الممتدة في الخليج العربي منحته رؤية خليجية واسعة الأفق.
فقد كان نجديًا في الروح، بحرينيًا في الانتماء المهني، كويتيًا في التكوين العلمي، وهنديًا في بعض تجاربه التجارية.
هذه الهوية المتداخلة جعلت منه مؤرخًا ذا خصوصية نادرة، ووسّعت من مداركه وفهمه للمشهد الإقليمي.
قد يتساءل البعض: لماذا نكتب عن رجل رحل منذ أكثر من 80 عامًا، لا تُعرف له صورة، ولا يحفظه إلا قليل من المتخصصين؟
الجواب بسيط وعميق:
• لأننا في حاجة لإحياء ذاكرة المغمورين لا المشاهير فقط.
• لأن من كتب بصدق دون أضواء، أولى بالقراءة ممن كتب تحت المجهر.
• ولأن الذكير، ببساطته وصدقه وعمق رؤيته، يُمثّل ما نفتقده اليوم: المؤرخ الشاهد، لا المؤرخ المصفّق.
في رحلتي البحثية هذه، لم أكتب فقط عن مؤرخ، بل عن ذاكرة وطنية حيّة كادت تُمحى بالصمت.
لم يكن مقبل الذكير ”عالِم تاريخ“ بالمعنى الأكاديمي الصرف، بل كان ضميرًا حيًا يدوّن بعفوية رجل عايش، لا باحتراف من تنظّر.
وهو لهذا، أقرب لنا من كثيرين. ويستحق أن يُعاد له الاعتبار، وتُحقق أعماله، وتُنشر بشكل رسمي وموسع.
بعد مشقة كبيرة في جمعها، هذه قائمة المراجع والمصادر التي استندت إليها في كتابة هذه المقالة:
1. موقع أسرة الذكير الرسمي
www.aldhafeer.com
2. موقع تراجم السعودي
www.torjoman.org
3. كتاب ”العقود الدرية في تاريخ البلاد النجدية“ - تأليف: مقبل الذكير «نسخ إلكترونية محققة».
4. أرشيف صحيفة عكاظ - مقالات عن المؤرخين النجديين قبل عام 2008 م.
5. دليل مؤرخي الجزيرة العربية - صادر عن دارة الملك عبدالعزيز، الرياض.
6. موسوعة أنساب بني خالد والأساعدة - مراجع نسبية وأسرية متخصصة.
7. منتديات ومجالس تراثية خليجية - مثل:
• منتدى ”الهلالية“
• منتدى ”قبائل عنيزة“
ذُكر الذكير في مشاركات توثيقية متفرقة.
8. تحقيقات وملاحظات شخصية للكاتب - بالاعتماد على مقارنة روايات شفهية، فهارس مكتبات، ومصادر إلكترونية.