آخر تحديث: 20 / 9 / 2025م - 11:54 م

ولا يهون النفط «7»: أيها القطاع الخاص لِمَنّ تُخلَق الوظائف؟!

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال

الوظائف التي يخلقها الاقتصاد هي أثمن الموارد وأعز الثروات، فهي تخلق كمحصلة لاتساق تكاليف هائلة مع إصلاحات في دورة دائبة لا تتوقف يوماً بعد يوم وعام وبعد عام وعقد عقب عقد:

«1» تكاليف عالية مباشرة تشمل رعاية موارده البشرية المواطنة من المهد إلى اللحد صحياً واجتماعياً وتعليمياً، حيث بلغ الانفاق الفعلي 41 بالمائة من إنفاق الخزانة السعودية في العام 2023 على تنمية الموارد البشرية «صحة وتعليم ورعاية اجتماعية» أي ما يوازي 457 مليار ريال لعامٍ واحدٍ،

«2» تصميم وتفعيل استراتيجيات وخطط ومبادرات من جانب الحكومة لحفز النمو الاقتصادي وتطوير بيئة الاستثمار ودعم القطاع الخاص،

«3» تصميم وتفعيل سياسات توازن العرض والطلب في سوق العمل بما يعزز استقراره بتوفير متطلباته.

السؤال: عطفاً على ما تقدم، ما دور القطاع الخاص في ان يقابل الطلب العرض؟ أم ان الدور هو على العرض أن يقابل الطلب؟ أم كليهما؟

عندما ينمو الاقتصاد يتطلب المزيد من الوظائف. والعكس صحيح؛ فالاقتصاد الذي يولد وظائف ينمو، وتبين الدراسات أن ما بين 30 بالمائة إلى 50 بالمائة من النمو الاقتصادي إجمالاً مرده خلق الوظائف، ولا غرابة في ذلك فنمو الناتج المحلي الإجمالي هو إلى حدٍ ما محصلة لنمو التوظيف ولنمو إنتاجية العمالة، وللدلالة على ذلك نأخذ مثالاً؛ فعد التمعن في بيانات منظمة العمل الدولية للعام 2024 نجد أن الناتج المحلي الإجمالي العالمي للعام 2024 نما 3.2 بالمائة، فيما نما التوظيف بمقدار 1.3 بالمائة وانتاجية العمالة 1.8 بالمائة، ما يعني أن خلق الوظائف ساهم بأكثر من 40 بالمائة من نمو الاقتصاد العالمي في ذلك العام.

في السعودية، ومنذ انطلاق رؤية المملكة 2030، نما عدد الوظائف من 13.5 مليون وظيفة نهاية العام 2016 إلى 18.1 مليون وظيفة في الربع الأول 2025، منها 66 بالمائة وظائف القطاع الخاص، حيث ارتفع عدد الوظائف من 8.5 مليون وظيفة في العام 2016 إلى 12.3 مليون وظيفة في الربع الأول من العام 2025، وبذلك فقد شهد خلق الوظائف في القطاع الخاص معدل نمو مركب سنوي قدره 4.3 بالمائة، وكان المعدل السنوي المركب لنمو توظيف السعوديين في القطاع الخاص 6.9 بالمائة مقابل 3.4 بالمائة لغير السعوديين، فقد ارتفع عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص من 1.7 مليون في العام 2016 إلى 3.1 مليون في الربع الأول العام 2025، ومرد هذا: توجهات الرؤية، والتي منها إصلاحات سوق العمل السعودية وسياسات التوطين ومبادرات تمكين رفع معدل مشاركة المرأة المواطنة في سوق العمل. ومن مؤشرات الأثر تراجع معدل البطالة بين السعوديين إلى أدنى مستوياته، محققاً مستهدف العام 2030 قبل وقتهِ بسنوات؛ منخفضاً من 12.3 بالمائة في الربع الرابع 2016 إلى 6.3 بالمائة في الربع الأول 2025، بما في ذلك تراجع معدل البطالة بين المواطنات السعوديات وتصاعد مشاركتهن في سوق العمل إلى 36.3 بالمائة في

السؤال: هل يدرك القطاع الخاص أن الوظائف التي يخلقها الاقتصاد هي نتيجة استثمار وطني ينبغي المساهمة لزيادة عوائده؟ بالقطع يُدرك ذلك. لكن السؤال الأدق يبقى: هل القطاع الخاص يراعي أن تحسين الإنتاجية هي الأساس ليس فقط لتعزيز تنافسية ما ينتجه من سلع وخدمات، بل كذلك لتعظيم مكاسب الاقتصاد الوطني؟ بالتأكيد يُدرك ذلك كذلك.

أما السؤال الأكثر دقة فهو: هل القطاع الخاص يُدرك أن تفضيل المواطن المؤهل هو الأساس لاختزان رأس المال البشري السعودي وتنميته عبر تراكم الخبرة والمعرفة وأن ذلك لن يتحقق إلا بمنح المواطنين الوظائف المفصلية، ليس فقط إدارياً بل فنياً وتقنياً، واتباع توجيهات المحتوى المحلي بحماس وتحرق، حتى يكون ”دهنا في هريسنا“؟ ولا انغلاق في هذا، بل هي ترتكز إلى نظرة اقتصادية متجردة؛ فلذلك انعكاس إيجابي على المخزون الاستراتيجي من الخبرات والمهارات والمعارف، ولذلك انعكاس إيجابي على ميزان المدفوعات، ولذلك انعكاس على الاستهلاك والادخار وبالتالي على نمو الناتج المحلي الاجمالي. ولا يتسع المجال للتوسع في هذه النقاط، الذي يبدو لي أنها واضحة.

وبناءً على ما تقدم، يأتي السؤال: هل يتعامل قطاعنا الخاص مع الفرص التي يولدها الاقتصاد السعودي باعتبارها مورداً خاماً ينبغي استيعابه؟ قبل الإجابة، أذكر بأن الإشارة إلى دور الجهات الحكومية سبقت في الفقرات أعلاه، لكن الطلب لابد أن يقابل العرض، والعرض لابد أن يقابل الطلب! وهكذا نجد أننا أمام جدلية ”مَنّ يقابل مّنّ؟!“

فهل الشركات توظف على شواغرها أفضل المتقدمين حصراً؟ كيف يضمن المالك أو الرئيس التنفيذي للشركة أن مسؤول الموارد البشرية نزيه ومهني وأنه يسعى باحترافية لاستقطاب أفضل المتقدمين مع الالتزام بمنح الأولوية للمواطنين والمواطنات المؤهلين؟ الإجابة يضمن عن طريق اجراءات حوكمية شفافة؛ تبين من تقدم للوظيفة ومن حصل عليها.، ومن الاجراءات الحوكمية ما هو على مستوى مُلاك الشركة بأن يكون لديها سياسات واجراءات توظيف مقرة من مجلس الادارة أو من الملاك، وهناك من يراقب الالتزام بتطبيقها حذافيرياً، ويبدو مناسباً أن تفرض وزارة الموارد البشرية وجود ”ضابط التزام موارد بشرية“ تماماً كما هو معمول به في البنوك والتأمين، فالموارد البشرية السعودية تستحق أن تأخذ فرصتها كاملة في التوظيف. ولأخذ الفرصة كاملة معنى محدد: هي الحالة التي يوظف فيها العامل على وظيف تتطلب مستوى أقل من المهارة أو عدد أقل من الساعات بما ينتج عنه على مستوى الاقتصاد انخفاض الإنتاجية وبالتالي معاناة سوق العمل تحديداً والاقتصاد إجمالاً من تدني الكفاءة، وعلى مستوى الموظف فذلك يعني مستوى أقل من الدخل وبالتالي الاستهلاك، ويعني كذلك ”تبخر“ معارفه نتيجة لعدم استخدامها وميله للبحث الدائم عن فرصة عمل أفضل، أما على مستوى الشركة فتدني الإنتاجية وضعف التنافسية وبالتالي تأكل الربحية، وبالنتيجة تأثير سلبي على القدرة التنافسية للقطاع الخاص ومساهمتهِ في الاقتصاد ككل، وهي المساهمة التي يستهدف وصولها إلى 65 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي السعودي في العام 2030. «يتبع»

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى