من عبق الماضي: الأدوات المدرسية ”ذاكرة جيل وحكاية زمن“
في ذاكرة المجتمعات تبقى بعض التفاصيل الصغيرة أكبر من كونها مجرد أدوات عابرة إذ تتحول إلى رموز حية تختزن صور الماضي وتفاصيله ومن أبرز هذه الرموز الأدوات المدرسية القديمة التي ما زالت تشكّل عند أجيال مضت حنينا صادقا إلى مقاعد الدراسة الأولى وأيام الطفولة المفعمة بالبراءة.
كانت الحقائب الجلدية أو القماشية الثقيلة رغم ثقلها على الأكتاف محمّلة بأحلام الطفولة ودفاتر الوسام والمنهل وأقلام الرصاص الخشبية التي كان التلميذ يبرى سنّها بحذر شديد كي لا تنكسر السن أما المبراة المعدنية الصغيرة ذات الغطاء فكانت تُفتح كما لو أنها صندوق كنز.
الدفاتر آنذاك كانت تُغلف بأوراق الهدايا وتُزين على أغلفتها بأسماء الطلاب وعناوينهم بخط مرتب وعلى الغلاف صور لمشاهد طبيعية هادئة أو طفل يقرأ، أما الكتب المدرسية فكانت أثقل وزنا ليس بحجمها فقط بل بما حملته من قيمة تربوية ومعرفية ورائحة تبقى عالقة في الذاكرة كلما قُلبت صفحاتها تشعر معها أنك تلامس الزمن وتستعيد صورته.
المقلمة الحديدية كانت مملكة صغيرة للتلميذ تنفتح على جهتين في إحداهما أقلام الرصاص والممحاة وفي الأخرى مسطرة صغيرة وكان من يمتلك علبة ألوان شمع كاملة أو أدوات هندسة أو مقلمة عليها رسومات مثل مازنجر أو سندريلا يُعد شخصية مميزة في الفصل يحظى بإعجاب الزملاء وتقديرهم
المسطرة الخشبية الطويلة ارتبطت بهيبة المعلم كما ارتبط الطباشير الملون بحيوية السبورة وصوت الليفة المبللة وهي تمسح السطح الأسود كان يثير مشاعر متناقضة تجمع بين الانزعاج والحنين ذلك الصوت الذي نكرهه ونحبه في الوقت نفسه.
لا يمكن أن ينسى أحد صوت الجرس وهو يعلن بداية الحصة أو نهايتها ولا لحظة توزيع الكتب في أول يوم دراسي ولا الأوراق الطائرة التي تتنقل بين المقاعد ولا المقالب التي تنتهي بضحكات صافية أو عقوبة بسيطة كانت الأيام مليئة بالحياة حتى في مشاغباتها التي لم تخلُ من براءة.
لقد كانت الأدوات المدرسية القديمة أكثر من مجرد وسائل تعليمية فقد كانت شاهدة على مراحل نمو جيل كامل وعلى بساطة زمن صنع من القليل عالما واسعا من الطموح والفرح كانت بداية الطريق وخطوات أولى نحو المستقبل وكانت المدرسة بيتا ثانيا نعيش فيه ونلعب ونضحك ونتعلم ونحلم.
اليوم ومع التطور الهائل في الوسائل التعليمية تبقى تلك الأدوات القديمة حاضرة في وجدان الأجيال تحمل معها عبق البدايات الأولى ودفء الذكريات إنها ليست مجرد أشياء مضت بل إرث ثقافي عاطفي يوثق لحظات نادرة في رحلة التعليم ويذكّرنا بأن الماضي البسيط قد يظل أكثر رسوخا في القلب من حاضر متخم بالتقنيات، فمن يتأمل الحقائب القديمة والدفاتر المزخرفة والمقلمة الحديدية وألوان الشمع والمبراة المعدنية يدرك أنها لم تكن مجرد أدوات بل مفاتيح لذاكرة جيل وحكاية زمن لن يتكرر.