العلاقات الاجتماعية.. الترميم والبناء
يُعرّف الأكاديميون العلاقات الاجتماعية على أنّها الروابط الإنسانية التي تنشأ بين الأفراد والجماعات في المجتمع، وتقوم على التفاعل المتبادل والتأثير المشترك، بهدف تحقيق التواصل والتعاون وتلبية الحاجات النفسية والمادية، ضمن إطار من القيم والأعراف الاجتماعية.
غير أنّ الدين الإسلامي ينظر إليها من خلال العقيدة والأخلاق ومبادئ الشريعة الإسلامية. لذا فإنّ العلاقات الاجتماعية هي مجموعة الروابط التي تجمع بين الناس على أساس العقيدة والأخلاق، وتنظّمها مبادئ الشريعة الإسلامية، بحيث تقوم على التعاون على البرّ والتقوى، وصلة الأرحام، وحفظ الحقوق، وتحقيق العدل والإحسان بين أفراد المجتمع، استنادًا إلى قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].
بهذا، فالتعريف الإسلامي يركّز على ثلاث قواعد أساسيّة؛ القاعدة الأولى هي المرجعية الإيمانية، أي العقيدة والقيم الدينية، والقاعدة الثانية هي الغاية الأخلاقية التي ينبثق منها العدل، والإحسان، وصلة الرحم وأمّا القاعدة الثالثة فهي ضبط السلوك وذلك من خلال أوامر ونواهي الشريعة.
بعد أن أوضحنا التعريف الأكاديمي والإسلامي وقبل الحديث عن جانبي الترميم والبناء في العلاقات الاجتماعية لابد لنا من مقدمة بسيطة فنقول…
إنّ العلاقات المجتمعية تمثل العمود الفقري لأي مجتمع؛ فهي الرابط الذي يجمع بين الأفراد والجماعات ويمنحهم القدرة على العيش المشترك والتعاون. غير أنّ هذه العلاقات قد تتعرض أحيانًا للضعف أو التصدّع بسبب النزاعات أو سوء الفهم أو غياب التواصل. ومن هنا يبرز مفهوم الترميم والبناء كمنهج متكامل لإصلاح ما تهدّم وتعزيز ما هو قائم، بهدف تحقيق مجتمع متماسك ومستدام.
وهو الجانب العلاجي أو التصحيحي الذي يهتم بإعادة العلاقات المتضررة إلى حالتها الصحية قدر الإمكان، وذلك من خلال:
• حل النزاعات: عبر الحوار، الوساطة، أو التحكيم.
• إعادة الثقة: وذلك عندما تتعرض العلاقات لتصدعات بسبب سوء الفهم، الخيانة، أو الإقصاء.
• إصلاح الجروح الاجتماعية: مثل الخلافات القبلية، أو الطائفية، أو العائلية، أو حتى التوتر بين الأجيال.
• المسامحة والمصالحة: خطوات أساسية لإزالة آثار الماضي وبناء قاعدة جديدة للتعايش.
وهو الجانب الإنشائي أو الوقائي، حيث لا يكتفي المجتمع بمعالجة الخلل، بل يعمل على تقوية نسيجه الاجتماعي من خلال:
• تعزيز قيم التعاون والتكافل: مثل المبادرات التطوعية والخدمات المجتمعية.
• بناء جسور التواصل: عبر اللقاءات، الفعاليات الثقافية، أو منصات الحوار.
• تنمية الوعي المجتمعي: بتعليم مهارات التواصل الفعّال، وقبول الاختلاف.
• خلق مساحات مشتركة: تجمع الناس رغم اختلافاتهم، مثل النوادي، الجمعيات، والأنشطة الشبابية.
من هنا نلحظ أن هناك علاقة كبيرة بين الترميم والبناء، فالترميم يعالج الماضي، بينما البناء يؤسس للمستقبل وكلاهما ضروريان؛ فإذا كان الترميم يزيل العقبات، فإنّ البناء يضمن استدامة الروابط وتقويتها.
خاتمة القول إنّ الترميم والبناء في العلاقات المجتمعية ليسا مجرد إجراءات ظرفية، بل هما عملية مستدامة تحتاج إلى وعي، ومؤسسات داعمة، وقيم إنسانية راسخة، وبقدر ما ينجح المجتمع في الجمع بينهما، بقدر ما يحقق التماسك والوحدة ويواجه تحديات المستقبل بثقة وصلابة.
ليكن شعارنا ”نحو علاقات مجتمعية رائدة“.