آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

تاروت.. جزيرة الحضارة والتراث التي أنجبت ناديًا من ذهب

عاطف بن علي الأسود *

رحلة في ذاكرة نادي الهدى الثقافية والرياضية.. إشادة بالروّاد، ووفاء للأمير فيصل بن فهد - رحمه الله -، وتحية لرجال حملوا الرسالة بأمانة

تأسس نادي الهدى في جزيرة تاروت عام 1392 هـ إثر اندماج ناديي ”النسر“ و”النصر“، وتم اعتماده رسميًا في 25 جمادى الآخرة 1396 هـ الموافق 5 أبريل 1976 م، ليبدأ رحلة من التميز والعطاء، تحت رعاية ودعم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - الذي لم يكن فقط رجل رياضة، بل كان رجل ثقافة، وطنيًا في رؤيته، إنسانيًا في تعامله، شامخًا بمشروعه الحضاري الشامل في رعاية الشباب.

كان نادي الهدى آنذاك أنموذجًا متكاملًا للعمل المؤسسي في المجال الثقافي والفني، وليس الرياضي فقط. فسموه - رحمه الله - أولى اهتمامًا بالغًا بالأنشطة المسرحية والتراثية، وكان حريصًا على الحضور والمشاركة والدعم، إدراكًا منه بأن الرياضة لا تنفصل عن الثقافة، وأن المسرح الشعبي والفلكلور يمثلان ركيزة مهمة من ركائز الهوية الوطنية.

وقد مثّل نادي الهدى المنطقة الشرقية في عدد من الفعاليات الوطنية في الرياض، محققًا المركز الأول في مسابقات الفلكلور الشعبي واللوحات المسرحية، التي نالت إعجاب سموه - رحمه الله - وتشجيعه الكبير. كما كان نادي الهدى ضيفًا سنويًا دائمًا على مسرح جامعة البترول والمعادن، لما يتمتع به من مكانة ثقافية مرموقة، بقيادة الدكتور عبدالله حسن منصور المختار - عافاه الله - الذي كتب وأخرج نصوصًا تمثّل التراث المحلي، لتعكس روح جزيرة تاروت العريقة.

وهنا، أفتخر أن أقول بأنني كنت واحدًا من أولئك الشباب الذين تشرفوا بالمشاركة في تلك اللوحات الشعبية والفلكلور المسرحي، إلى جانب نخبة من الزملاء المخلصين الذين عملوا بكل مهنية وإخلاص، مدفوعين بشغف حقيقي لإبراز تراث جزيرتنا الغالية في أبهى صورة. كنا نؤمن بأن رسالتنا لا تتوقف عند حدود الأداء المسرحي أو الترفيه، بل تتجاوز ذلك إلى غرس قيم الانتماء والهوية، وترك بصمة واضحة يستفيد منها الجيل القادم، ويسير على نهجنا ذاته، في خدمة هذا الوطن.

لقد عملنا على أن نُجسد من خلال الفن روح التعاون، والمنافسة الشريفة، والإخلاص في العمل، ووضع الرياضة والثقافة كمثال حيّ على التميز والابتكار، في سبيل الارتقاء بمستوى الأداء داخل النادي وخارجه. وهذه الجهود، وإن بدت بسيطة في ظاهرها، إلا أنها مثّلت بذورًا حقيقية لما نشهده اليوم من وعي شبابي متقدم، ورغبة في الاستمرار على ذات النهج الذي وضعه الرواد.

ولا يمكن الحديث عن النادي دون الحديث عن جزيرة تاروت نفسها، فهي ليست مجرد موقع جغرافي، بل تاريخ حيّ ونبض حضاري. تُعد تاروت من أقدم مناطق الاستيطان في الجزيرة العربية، وقد مرّت بها حضارات عظيمة، من السومريين إلى الآشوريين، ومن الفينيقيين إلى الفرس، وقد ذكرتها النصوص التاريخية القديمة كواحدة من أبرز الموانئ التجارية والثقافية في الخليج.

هذا العمق التاريخي يضع على عاتقنا جميعًا مسؤولية مضاعفة تجاهها، لنُسهم، من خلال نادي الهدى، في إعادة رسم مكانتها اللائقة على الخريطة الثقافية والرياضية للوطن. فبفضل الجهود المتواصلة من الإدارات المتعاقبة، والكوادر الشابة، استطاع النادي اليوم أن يحقق إنجازات رياضية بارزة في ألعاب مثل كرة اليد وألعاب القوى، محققًا مراكز أولى على مستوى المملكة، ومثبتًا قدرته على المنافسة والتميز رغم كل التحديات.

نادي الهدى اليوم ليس فقط صرحًا رياضيًا، بل هو المتنفس الحقيقي لأبناء الجزيرة، ومركز إشعاع حضاري، يجمع بين الماضي العريق والطموح المعاصر. وما نحتاجه اليوم هو التكاتف والعمل تحت مظلة إدارته نحو إعادة إحياء النشاط الثقافي والفني، وتعزيز المسار الرياضي، ليكون النادي نموذجًا وطنيًا يُحتذى به، ومصدر فخر لأبناء تاروت والمنطقة الشرقية.

خاتمة: وفاءٌ للروّاد وشكرٌ للداعمين

وختامًا، لا يمكننا أن نطوي صفحات هذا الحديث دون الوقوف بتقدير وإجلال أمام شخصية كان لها بالغ الأثر في مسيرة الشباب السعودي، وهو صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله -، الذي كان بحق رمزًا للعطاء ورائدًا في دعم ورعاية الشباب. لقد ترك بصمة لا تمحى، ورؤية لا تزال تلهم الأجيال في بناء مستقبل أكثر إشراقًا.

كما لا يفوتني أن أتوجّه بأصدق الدعاء بالشفاء العاجل إلى الأستاذ الدكتور عبد الله حسن منصور المختار - عافاه الله -، الذي كان أحد أعمدة النشاط المسرحي والثقافي في نادي الهدى، وأسهم بإخلاص في إبراز هوية الجزيرة وتراثها الثقافي من خلال أعماله وجهوده التي لا تُنسى.

وكل الشكر والتقدير لولاة أمرنا - أيدهم الله - على ما يولونه من دعم كريم واهتمام بالغ بالشباب واحتضان طاقاتهم، وتشجيعهم في المجالات الرياضية والثقافية، إيمانًا منهم بأنهم عماد المستقبل وأمل الوطن.

إن الأندية ليست فقط ساحات للتنافس الرياضي، بل هي متنفس حقيقي للشباب، ومنصات لبناء الوعي والهوية، وفرص لصناعة التميز في كل ميدان.

ونسأل الله أن يديم على وطننا أمنه واستقراره، وأن يجعل من نادي الهدى وغيره من أندية الوطن منارات للعلم والثقافة والرياضة، تعكس وجه المملكة المشرق، وتُسهم في تنمية جيل يعتز بدينه، ويفخر بوطنه، ويواصل البناء على ما بدأه من سبقونا.

دراسات عليا اقتصاد صحي