بين صفحات ماجد وقافلة الزيت.. حكاية الطيبين
في زقاقٍ صغير من أحياء الطيبين، كان حيّ السدرة يضجّ بأصوات الصغار وضحكاتهم في مساءات الأربعاء القديمة، بعد انتهاء المدرسة، كان يوم الأربعاء يعني شيئًا واحدًا بالنسبة لنا: بداية عطلة الأسبوع ويوم مجلة ماجد.
نعود من مدارسنا بحماس، نحمل في جيوبنا ريالاتٍ ادّخرناها طوال الأسبوع، ونسابق الريح نحو دكان السيد إبراهيم؛ ذلك الرجل الطيب الذي كان يستقبلنا بابتسامةٍ ودودة، وكأنه حارسٌ لأحلامنا الصغيرة.
كنّا نمرّ أولًا بدكان الحجي لشراء الحلويات، ثم بدكان السيد علي، وتغمرنا رائحة الخبز الطازج من خباز السدرة، التي تعبق في الهواء قبل أن نصل إلى دكان السيد إبراهيم. خلف طاولته الخشبية البسيطة، كانت المجلات مصفوفة بانتظام، تنتظر أيدينا الصغيرة لتختطفها بشغف. نأخذ المجلة وكأننا نحمل كنزًا، نركض إلى جدارٍ قريب، نفتح صفحاتها، ونغوص في عالمٍ من الكلمات المتقاطعة التي تجعلنا نضحك بلا توقف، والقصص المشوّقة التي تأخذنا إلى مغامرات لا تنتهي، والأعمال اليدوية والفنية التي تعلّمنا الرسم وصناعة الأشياء الصغيرة بأيدينا.
كانت ”ماجد“ صديقة طفولتنا، تمنحنا الدهشة، وتزرع فينا حبّ القراءة منذ نعومة أظافرنا، وتملأ حياتنا الصغيرة بالإبداع والمتعة.
ومع مرور السنوات، وكبر أحلامنا، جاءت مجلة قافلة الزيت، التي تصدر كل شهرين، عن شركة أرامكو السعودية، لتأخذنا إلى عالم أعمق وأكثر نضجًا.
لم تعد القراءة مجرد هواية طفولية، بل أصبحت وسيلة للفهم والبحث. في قاعات الجامعة، كانت القافلة رفيقة دراستنا ومصدر إلهام لأبحاثنا، تنير عقولنا بمقالاتٍ ثرية بالمعرفة والثقافة، وتربط بين أحلام الطفولة ومسؤوليات الشباب.
جيل الطيبين عاش حياةً بسيطة، لكنه امتلك ثروةً من الكتب والمجلات. سافر عبر الصفحات إلى عوالم بعيدة، يضحك مع شخصيات القصص، ويذرف دموعه مع نهاياتها المؤثرة. واليوم، وسط صخب الشاشات وسرعة الأخبار، يبقى لذلك الجيل سحره الخاص، جيلًا كان ينتظر صدور مجلة كما ينتظر العيد، ويقرأها وكأنه يتنفس الحلم.
فلنعلّم أبناءنا قيمة الكلمة، ونمنحهم فرصة أن يعيشوا متعة الانتظار، وفرحة الصفحة الأولى، وسحر عالمٍ كامل يبدأ من كتابٍ صغير أو مجلة، كما عشنا نحن طفولة حيّ السدرة، بين دكان الحجي ودكان السيد علي وخبّاز السدرة، ومع ضحكات أصدقاء العمر ودفء الكتب الصغيرة.