واحة القطيف وربيع القرآن
قالَ تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]
كتابٌ أُنزل من المولى الجليل على سيد الكائنات المصطفى الرحيم، فكانَ معجزةً باقيةً على الدهر، ففيه علوم الأولين والآخرين، وفيه آياتٌ احتوت من الأسرار ما تطمئن به قلوب المؤمنين، وتستضيء به العيونُ، فترتاحُ الجفونُ، فيه الحق كله وتمام الشرع فيه، وكمال الدين، وفيه قصص الأنبياء والمرسلين تُروى، وعِبَرُ الأولياء تترى، تُتلى آياته فتفيض الأرواح بالسكينة، ويختم المؤمنون به صلواتهم فرضًا ونافلةً، حتى غدت تلاوته في شهر الله زادًا كريمًا.
من أكبر النعم التي منَّ بها الله عز وجل علينا تمسكنا بكتابه وعترة نبيه عليه وعليهم السّلام. والحمد لله الذي هدانا بالقرآن ونور قلوبنا، ونحن في منطقتنا الحبيبة التي تزخر بالعلوم القرآنية، فمن أرض القطيف ”لجنة المجتبى القرآنية“ التي تحيي بحضورها قلوب المستمعين، حين تتلو من الآيات والذكر الحكيم، وتشدو بالأهازيج والموشحات القرآنية بأطوار ومقامات سيمفونية، وفي العوامية ”سبل السلام“ نبعُ المحبة والوئام، وأم الحمام في مجلس ”النور المبين“ ما أجمله للذاكرين، و”مجلس قراء أم الحمام“ أرض تعليم التجويد ومركز القرآن الكريم، بلد تعليم المقام ”صنعٌ بسحرك“ فتنسحر القلوب بالآيات الجميلة المرتلة والمجودة والمطعمة بالمقامات التي تحاكي الآيات، ولجنة ”الذكر الحكيم“ في قلعة تاروت القديمة، ولجنةُ المرتضى في الجشِ الحبيبة، وفي الأوجامِ ”أهل الذكرِ والقرآن الكريم“ حيث نشرع في الدعاء: ”وَأَنْ تَشْرَحَ بِكِتابِكَ صَدْرِي، وَتَحُطَّ بِتِلاوَتِهِ وِزْرِي، وَتَمْنَحَنِي السَّلامَةَ فِي دِينِي وَنَفْسِي، وَلا تُوحِشَ بِي أَهْلَ أُنْسِي، وَتُتِمَّ إحْسَانَكَ فِيما بَقِيَ مِنْ عُمُرِي كَما أَحْسَنْتَ فِيما مَضَى مِنْهُ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ“، فنشدو فيه أصوات القارئين بذكره وتلاوته.
القرآن ربيع القلوب وأنيس النفوس، من ربيعية القطيف ”مجلس الحوراء“ حيث أصحاب الأصوات الشجية والجميلة، معرجين إلى ”مجلس قراء الجش القرآني“ العزيز، وذهبنا وانطلقنا للقديح ننتخي بـ ”باب الحوائج“ بالدعاء والرجاء: ”اَللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ فِي يَوْمِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الآحَادِ، مِنَ الشِّرْكِ وَالإِلْحَادِ، وَأُخْلِصُ لَكَ دُعَائِي تَعَرُّضًا لِلإِجَابَةِ، وَأُقِيمُ عَلَى طَاعَتِكَ رَجَاءً لِلإِثَابَةِ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَيْرِ خَلْقِكَ الدَّاعِي إِلَى حَقِّكَ“، وننطلق بالرجاءِ والدعاء في مجلس ”موسى الكاظم“ بحي الحسين.
وانطلقنا للمنيرة مسرعين ”مجلس السيدة آمنة“ قاصدين، وبذكر الله بدأنا وللقرآن تَلَوْنَا، وفي ”الضحى القرآني“ عدنا للمحدود أرض تدريس أصول المقامات بين الصبا الحزين والنهاوند الجميل والعجم والبيات والسيكاه للأفراح، والحجاز صوت الأذان، والرست والكرد الشجي وما اشتق منها من فروع، حيث تعلمنا المقام وكيف نصور الآيات ونصف الكلمات بما يناسبها من مقامات، ثم عرجنا بعد حين ”لمجلس الذكر المجيد“ في منطقة الخويلدية حيث الأهالي البسطاء أهل الكرم النجباء، ثم خرجنا مسرعين وللقرآن قاصدين في ”مجلس البيان“ مشاركين بآيات من الذكر الكريم، وابتعدنا في المسير قاصدين دربًا طويلًا حيث سيهات الجميلة في ”مجلس أنوار القرآن“ يجتمع القراء منشدين وللآيات قارئين.
وبالدعاء طالبين: ”اَللَّهُمَّ أَوْلِنِي فِي كُلِّ يَوْمِ إثْنَيْنِ نِعْمَتَيْنِ مِنْكَ ثِنْتَيْنِ: سَعادَةً فِي أَوَّلِهِ بِطاعَتِكَ، وَنِعْمَةً فِي آخِرِهِ بِمَغْفِرَتِكَ، يا مَنْ هُوَ الإِلهُ، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ سِواهُ“.
بوركت أرضٌ يقرأ فيها القرآن كأرض البحاري بلد الذكريات والعيون الجارية وحمام أبو لوزة والرواسية، والحباكة والقصيري، وفيها ”مجلس البيان القرآني“ حيث القراء بالقرآن يصدحون.
ورجعنا من جديد لأرض الأصوات الجميلة بلد تاروت القديم حيث ”مجلس بصائر القرآن“ فيها، فيتلون الآيات ويحاكون المقامات الجميلة.
وارتحلنا في المسير ”لمجلس هدي القرآن الكريم“ بأرض البحار الصافية أرض صفوى الجميلة، وأهلها الطيبين، وقرائها المميزين الذين لم ينسونا من الدعاء: ”وَهَبْ لِي فِي الثُّلاثاءِ ثَلاثًا: لا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إِلّا غَفَرْتَهُ، وَلا غَمًّا إِلّا أَذْهَبْتَهُ، وَلا عَدُوًّا إِلّا دَفَعْتَهُ“.
وفي واحة من واحات القطيف الجميلة قرية صغيرة وبساتينها الغناء الخضراء وعيونها العذبة حيث الذكريات في عين أُم عمار وذلك التنور العميق، وأهلها المزارعين البسطاء الطيبين في حلة محيش حيث ”مجلس الرحمن القرآني“ يعقد مسبوقاً بحلقة قصيرة لتدريس وتصحيح التلاوة القرآنية.
وانطلقنا من جديد للمنيرة حيث يعقد ”مجلس الزهراء القرآني“ فيشارك القراء في تلاوة كتاب الله منتهين بالدعاء: ”اَللَّهُمَّ اقْضِ لِي فِي الأَرْبِعآءِ أَرْبَعًا: اِجْعَلْ قُوَّتِي فِي طاعَتِكَ، وَنَشاطِي فِي عِبادَتِكَ، وَرَغْبَتِي فِي ثَوَابِكَ، وَزُهْدِي فِيما يُوجِبُ لِي أَلِيمَ عِقابِكَ، إِنَّكَ لَطِيفٌ لِما تَشَآءُ“.
وذهبنا مسرعين ومن الله راجين أن نلحق الركب العظيم في مجلس ”بحار القرآن القرآني“ في سنابس. ثم أكملنا المسير وفي خطانا نسير ”لمجلس الرضا القرآني“ في حي الرضا، فقرأنا وانتهينا بالدعاء: ”اَللَّهُمَّ اقْضِ لِي فِي الخَمِيسِ خَمْسًا، لا يَتَّسِعُ لَهَا إِلّا كَرَمُكَ، وَلا يُطِيقُها إِلّا نِعَمُكَ: سَلامَةً أَقْوَى بِها عَلى طاعَتِكَ، وَعِبادَةً أَسْتَحِقُّ بِها جَزِيلَ مَثُوبَتِكَ، وَسَعَةً فِي الحَالِ مِنَ الرِّزْقِ الحَلالِ، وَأَنْ تُؤْمِنَنِي فِي مَواقِفِ الخَوْفِ بِأَمْنِكَ، وَتَجْعَلَنِي مِنْ طَوارِقِ الهُمُومِ وَالغُمُومِ فِي حِصْنِكَ“.
وكالعادة ننطلق في الأخير وفي وقت متأخر لذلك الشيخ الجليل الحنون الذي هو مدرسة جميلة تستقبل القراء ليتعلموا منه في مقره المتواضع الدافئ تصحيح التلاوة في ”مجلس قراء الجارودية“.
وفي الختام حسن الكلام ”مجلس الكزاز“ في جلسته القرآنية التعليمية، وننتهي بالدعاء: ”يا سَرِيعَ الرِّضَا اغْفِرْ لِمَنْ لا يَمْلِكُ إِلَّا الدُّعاءَ، فَإِنَّكَ فَعَّالٌ لِما تَشاءُ، يَا مَنِ اسْمُهُ دَواءٌ، وَذِكْرُهُ شِفاءٌ، وَطاعَتُهُ غِنىً، إِرْحَمْ مَنْ رَأسُ مالِهِ الرَّجاءُ وَسِلاحُهُ البُكاءُ“.