آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

أولادنا في زمن الإنترنت

عباس سالم

في عصرنا الحالي، أصبح الإنترنت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ولأطفالنا نصيبًا كبيرًا من هذا العالم الرقمي، وهذا التحول الكبير في أساليب التواصل والمعلومات في زمن الإنترنت، ألقى بظلاله على أفكارهم وألعابهم وطرق تعلمهم بل حتى في تربيتهم، مما يستدعي إعادة النظر في الأساليب والطرق المتبعة للتربية.

في زمنٍ انقلبت فيه المفاهيم واضطربت فيه القيم وانخدش فيه الحياء، وأصبحت فيه تربية الأطفال من أعظم المسؤوليات التي تقع على الوالدين، في زمن التكنولوجيا اليوم لم نعد نواجه سلوكًا خاطئًا من أطفالنا فنعمل على إصلاحه، بل نواجه طوفانًا من الشبهات والأساليب الموجهة لتغيير المبادئ، وخلطًا للمفاهيم وانهيارًا في المعايير وخربشة لتشويش على قيمنا وأخلاقياتنا.

مع انتشار التكنولوجيا والإنترنت وحمل أجهزتها بين أيدينا صغارًا وكبارًا من الجنسين، تغيرت الكثير من ملامح التربية التقليدية، وأصبح الأطفال اليوم يواجهون تحديات جديدة وخطيرة، وفي الوقت نفسه يمتلكون فرصًا غير مسبوقة للتعلم والتطور متى أرادوا ذلك، هذا الواقع يفرض على الآباء والأمهات تحديات كبيرة لحماية أبنائهم من هذا الكابوس، تتعلق بكيفية موازنة استخدام التكنولوجيا من دون أن تتعارض مع القيم والتربية السليمة.

يحكى:

أن معلمة طلبت من تلاميذها في المدرسة الابتدائية أن يكتبوا موضوعًا يطلبون فيه ما يتمنون، وبعد عودتها إلى المنزل جلست تقرأ ما كتب التلاميذ، فأثار أحد المواضيع عاطفتها فأجهشت في البكاء، وصادف ذلك دخول زوجها البيت فسألها: ما الذي يبكيكِ؟

فقالت: يبكيني موضوع التعبير الذي كتبه أحد التلاميذ.

فسألها: وماذا كتب التلميذ؟

فقالت له: خذ اقرأ موضوعه بنفسك!

فأخذ يقرأ ما كتبه التلميذ:

أنا أطلب طلبًا خاصًا جدًا وهو: ”أكون هاتفًا ذكيًا“!

فأنا أريد أن أحل محله! أريد أن أحتل مكانًا خاصًا في البيت! فتتحلَّق أسرتي حولي! وأصبح مركز اهتمامهم، فيسمعونني دون مقاطعة أو توجيه أسئلة،

أريد أن أحظى بالعناية التي يحظى بها ”الجوال“ حتى وهو لا يعمل، أريد أن أكون بصحبة أبي عندما يصل إلى البيت من العمل حتى وهو مرهق، وأريد من أمي أن تجلس بصحبتي حتى وهي منزعجة أو حزينة، وأريد من إخوتي وأخواتي أن يتخاصموا ليختار كل منهم صحبتي، أريد أن أشعر بأن أسرتي تترك كل شيء جانبًا لتقضي وقتها معي! وأخيرًا وليس آخرًا أريد أن أقدر على إسعادهم والترفيه عنهم جميعًا، ولا أطلب الكثير، أريد فقط أن أعيش مثل ”الهاتف الذكي“.

انتهى الزوج من قراءة موضوع التلميذ وقال: إنه فعلًا طفل مسكين، ما أسوأ أبويه!! فبكت المعلمة مرة أخرى وقالت: إنه الموضوع الذي كتبه ولدنا، وتذكرت حينها قصة ذاك البروفسور الإنجليزي الذي لم يدخل التلفاز بيته، ولما سُئل عن السبب قال: لأن التلفاز يفرض علينا رأيه ولا يسمح لنا بمناقشته، وينغص علينا حياتنا.

هذه دعوة لك عزيزي الأب.. عزيزتي الأم.. لمراقبة أولادكم وحمايتهم من خطر الأجهزة الذكية التي يحملونها أينما ذهبوا، وقضاء بعض الوقت معهم فهم أحق من التلفاز والهاتف الذكي اللذَين لهما النصيب الأكبر في تشتيت عقولنا وتدمير قيمنا وعاداتنا!!

آه، كم أتمنى أن تُطفأ كل الشاشات داخل منازلنا ومجالسنا وديوانياتنا ويعود الناس إلى بساطة زمان أول، حيث كانوا يتحدثون مع بعضهم وجهًا لوجه، وكانت الرسالة تُحمل باليد لا بالكهرباء، والفرح يُزرع في القلوب لا يُصنع في الأجهزة. نعم، كانت حياتنا بلا تكنولوجيا لكنها تعني دفء أكثر، ووقتًا أبطأ وطمأنينة لا يسرقها إشعار… أو خبر عابر تضيئه شاشات أجهزتنا الذكية.

وفي الختام: في زمن الإنترنت اليوم يحتاج الوالدان إلى جبل من الصبر إذا أرادا أن يربيا طفلًا طبيعيًا. أن تربي طفلًا طبيعيًا اليوم يعني أنك تخوض جهادًا صامتًا في نفسك يحرس قلبه، ويصون فطرته ويحمي قيمه ومبادئه، وتحاول أن تُبقيه نقيًّا في زمن يعجّ بالضجيج وأصبح فيه الباطل حقًّا والحق باطلًا…