آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

اقتناص «3»

ورد عن مولاتنا الزهراء : «اللهم اجعل غفلة الناس لنا ذكرا..» [صحيفة الزهراء ص 150 ].

التنوع في طبيعة الشخصيات وما يتصف به الفرد من سمات إيجابية أو سلبية لا تحتاج إلى استدلال أو برهان لأنها مشاهدة بالوجدان، فالأسرة والبيئة الاجتماعية عاملان مهمان يلعبان دورا محوريا في بلورة شخصية الإنسان وسماته الأخلاقية والنفسية والاجتماعية، وهذه الحقيقة تطرح علينا تساؤلا يتعلّق بكيفية التعامل مع هذا التعدد والاختلاف ضمن ما ينسجم مع ما نحمله من قيم ومبادئ يراد المحافظة عليها، كما أن التعامل مع هذه المشهدية المتنوعة يمثل تحديا فكريا وسلوكيا ينبئ عن حقيقة اتصاف الفرد بالوعي واليقظة أمام المخاطر والأضرار، فالتأثر الإيجابي أو السلبي بالمحيط الاجتماعي لا يمكن إنكاره فنجد الكثير ممن تباينت خطاه وانتقل من ضفة الخير والحُسن إلى الأخرى والعكس كان العامل المؤثر فيه تلك الصحبة.

وهنا تبرز لنا أهمية ما تشير له مولاتنا الزهراء في كيفية التعامل المناسب والملائم مع مشهدية حالة الغفلة وارتكاب الأخطاء من قبل الآخرين، فهذه الحالة قد تكون مورد وعي ونباهة عن السقوط في نفس المنزلق الأخلاقي من خلال يقظة الضمير والهمة العالية للحفاظ على حالة الاستقامة والنزاهة النفسية، حيث تنفصل الذات الإنسانية عن وحل الخطايا والعيوب المحيطة بها من خلال التمايز والمفارقة بين شخصية تتمتع بالقيم التربوية والنزاهة عن المعايب.

اليقظة الروحية في وسط لُجج الظلام والجهالة هو ما يحيي النفس، والمؤمن يستثمر ويغتنم الفرص ويحوّلها إلى نقاط مكتسبة تقوي قدراته في جميع النواحي، فلا ينساق كالإمعة خلف الأهواء التي تعمي البصيرة عن الحق والهداية ويبرز ظهورا مباينا، مما يجعل للذكر معنى مرتكزا في النفس والعقل يعي مخاطر الانسياق والجري خلف المظاهر المادية والاستجابة العمياء للغرائز المتفلّتة، وهذه سيرة الأنبياء والأولياء المصلحين يسردها القرآن الكريم كقبس نور في وسط دياجير الغفلة والجهالة الفكرية والسلوكية، حيث استطاعت الثلة الإيمانية أن تحافظ على ضياء القيم الأخلاقية والتربوية متجسّدة على أرض الواقع - وليس تنظيرا - دون أن يتسرّب إليها فيروس المعايب والنقائص.

الوعي في قبالة الغفلة والتيه الفكري يعني ثقافة وتربية وقائية من السقوط في الأخلاق الفاسدة وهذا ما يعني وجود الممانعة النفسية والفكرية، إذ أن الإنسان يبدأ مسيرة في طريق الغفلة والتيه من خلال استغراقه في دقائق وتفاصيل الحياة المادية، وقد تملّكه الغرور وانتفاخ الذات والبحث عن المنافع الذاتية بأي وسيلة كانت، وفي مثل هذه الضبابية تتحرك النفس الأمارة بالسوء ممزوجة بالطمع وتحصيل الملذات، ومع كل ما تجده من حولك من غفلة إلا أن ذلك لا يتحوّل إلى مارد يأس يدب في النفس الخيرة، بل تصنع فارقا من خلال منارة الخير والطيب التي تناوئ الظلام والتيه متسلحا بالبصيرة والصبر.