صوتٌ لا يسمعه أحد
لا شيء أكثر صدقًا من تلك اللحظة التي تجلس فيها بصمت، ولا تسمع إلا نفسك. لا أحد معك. لا هاتف. لا شاشات. لا كلام يُقال لتُرضي به أحدًا. مجرد أنت وصوتك.
ربما لا تُدرك كم من الوقت تمضيه وأنت تُحدّث نفسك. قد يبدو الأمر عابرًا: فكرة تأتي، ذكرى تمر، جملة تُتمتم بها داخلك، لكن الحقيقة.. هذا الحوار الداخلي هو أكثر ما يترك أثره عليك، دون أن تنتبه. أحيانًا لا يؤلمنا ما قاله الآخرون، بل ما قلناه نحن لأنفسنا بعد ذلك.
الحديث الداخلي ليس خطأً. الخطأ هو اختيارنا لمفردات قاسية نرددها في الداخل وكأننا نجلد أنفسنا بلغة تعلمناها من قسوة الأيام، وصدّقنا أنها صوت العقل. لكن، من قال إن العقل دومًا على حق..؟ على النقيض، الحديث الداخلي ضرورة. لكن المشكلة ليست في أن تتحدث مع نفسك، بل أي نبرة تستخدم.. هل تخاطبها بلطف، أم تتعامل معها كما لو أنها خصمك، لا رفيقتك في الحياة..!
أنت لست مضطرًا لاختلاق صوت لا يشبه صوتك الداخلي ليصبح إيجابيًا طوال الوقت. لكنك تستطيع، كل مرة، أن تُخفف على نفسك حِدّة الكلمة، أن تُغيّر زاوية النظر، ليبدو حديثك الداخلي أكثر قبولا. نحن لا نحتاج دائمًا إلى حلول. ما نحتاجه في واقع الأمر، هو أن نكون بجانب أنفسنا دون بتّ أو حُكم.
أعرف أن العالم لا يمنحك كثيرًا من الفرص لتصمت وتُصغي إلى ما يجري داخلك. هل ما تقوله لنفسك طوال اليوم يساعدك أن تنهض، أم أنه يربطك بأشياء ليس لها وزن أو تأثير يذكر على مسيرتك الحياتية التي بنيتها على معطيات مختلفة..؟
لا أحد يعرف الحوار الذي تُعيد تشغيله كل ليلة، قبل أن تغفو. أنت وحدك من يعرف. وأنت وحدك، من يستطيع أن يقرّر، هل سيبقى هذا الصوت مصدر استنزاف.. أم يتحول، يومًا بعد يوم، إلى مساحة راحة، واتزان..! هنا تكمن قوّتك على التغيير.
اجلس إلى نفسك كما تجلس إلى صديق لا ينتظر منك حلولًا، بل فقط أن تُنصت له دون أن تتركه وحده. فأحيانًا، لا تحتاج إلى أكثر من جملة واحدة تقولها لنفسك، وتُصدقها: «أنا أستحق أن أكون لذاتي، قبل أن أكون لأحد.»