توضيح حول ”البوست“ المتداول عن لقاح السرطان الروسي
انتشر بوست قبل أيام عن لقاح روسي للسرطان، وأحببت أن أكتب هذا التوضيح لتبيين حقيقة الموضوع.
البوست المتداول
لذلك، سأحاول تقديم شرح مختصر عن أنواع وطريقة عمل لقاحات السرطان، وبعد ذلك أختم بشرح مفصل حول لقاح السرطان الروسي وملابساته.
يُعد السرطان أحد أكبر التحديات الصحية في العالم، حيث يؤثر على ملايين الأشخاص سنويًا. في السنوات الأخيرة، شهد مجال المناعة السرطانية تطورات هائلة، خاصة في مجال اللقاحات. اللقاحات السرطانية هي نوع من العلاجات المناعية التي تهدف إلى تحفيز الجهاز المناعي لمكافحة السرطان. بخلاف اللقاحات التقليدية التي تمنع الأمراض المعدية، تركز اللقاحات السرطانية على منع أو علاج السرطان من خلال التعرف على المستضدات (الأنتيجينات) (antigen) المرتبطة بالخلايا السرطانية.
هذه اللقاحات يمكن تصنيفها إلى نوعين رئيسيين: اللقاحات الوقائية واللقاحات العلاجية.
تهدف هذه اللقاحات إلى منع حدوث السرطان من خلال مكافحة العوامل المسببة له، مثل الفيروسات التي تسبب السرطان. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يرتبط حوالي 15-20% من حالات السرطان بالعدوى الفيروسية.
أمثلة:
1. لقاح فيروس الورم الحليمي البشري (HPV): يمنع سرطان عنق الرحم، وبعض أنواع سرطان الرأس والرقبة.
2. لقاح التهاب الكبد الوبائي B: يقلل من خطر الإصابة بسرطان الكبد.
هذه اللقاحات متوفرة منذ سنوات، وتُعطى في السعودية مثلًا للأطفال منذ الولادة، ولقاح HPV متاح للفتيات من عمر 9 إلى 13 سنة منذ عام 2022.
تركز هذه اللقاحات على علاج السرطان الموجود بالفعل، من خلال تحفيز الجهاز المناعي لمهاجمة الخلايا السرطانية. تُستخدم عادةً مع علاجات أخرى مثل الكيميائي أو الإشعاعي.
يمكن تصنيفها حسب الطريقة التي تقدم بها المستضدات:
1. لقاحات الخلايا الكاملة (Whole Cell Vaccines): تستخدم خلايا سرطانية كاملة (من المريض أو مصادر أخرى) معدلة لتكون غير ضارة. على سبيل المثال، لقاح Sipuleucel-T (Provenge) لسرطان البروستاتا المتقدم، الذي يُستخرج من خلايا المريض المناعية ويعاد حقنها بعد تعريضها لمستضدات سرطانية.
2. لقاحات الببتيدات أو البروتينات (Peptide or Protein Vaccines): تحتوي على قطع صغيرة من البروتينات السرطانية (الببتيدات) لتحفيز الاستجابة المناعية. مثال: لقاحات تستهدف مستضد HER2 في سرطان الثدي.
3. لقاحات الحمض النووي (Nucleic Acid Vaccines): تشمل لقاحات mRNA أو DNA, التي تقدم تعليمات جينية لإنتاج المستضدات داخل الجسم. هذه التكنولوجيا أثبتت فعاليتها في لقاحات كوفيد -19 وتُطور الآن للسرطان، مثل لقاحات mRNA المخصصة لسرطان الجلد (الملانوما).
4. لقاحات النواقل الفيروسية (Viral Vector Vaccines): تستخدم فيروسات معدلة لنقل المستضدات السرطانية إلى الخلايا. مثال: لقاحات تستخدم نواقل أدينوفيروس لتحفيز المناعة ضد مستضدات السرطان.
5. لقاحات مخصصة (Personalized Vaccines): مصممة خصيصًا لكل مريض بناءً على الطفرات الجينية في أورامه. هذه اللقاحات، مثل تلك التي تستخدم تقنية neoantigen, أظهرت نتائج واعدة في التجارب السريرية لسرطانات مثل الرئة والقولون.
تعتمد آلية عمل لقاحات السرطان على مبدأ المناعة السرطانية، حيث يتعلم الجهاز المناعي التعرف على الخلايا السرطانية كعدو. الخلايا السرطانية غالبًا ما تحمل مستضدات فريدة (مثل neoantigens الناتجة عن الطفرات) أو مستضدات مرتبطة بالورم (tumor-associated antigens).
خطوات العمل العامة:
1. تقديم المستضدات: يُحقن اللقاح بالمستضدات أو الخلايا المعدلة في الجسم. في اللقاحات العلاجية، يتم تعزيز هذه المستضدات بمواد مساعدة (adjuvants) لتعزيز الاستجابة المناعية.
2. تنشيط الخلايا المناعية: تمتص الخلايا المتقدمة (dendritic cells) المستضدات وتقدمها للخلايا T (T cells)، مما يثير إنتاج خلايا T السامة (cytotoxic T cells) التي تستهدف الخلايا السرطانية.
3. الهجوم على السرطان: تتكاثر الخلايا المناعية وتنتقل إلى موقع الورم، حيث تدمر الخلايا السرطانية من خلال إفراز مواد سامة أو إثارة الالتهاب. في اللقاحات الوقائية، يتم إنتاج أجسام مضادة تمنع الإصابة بالفيروس المسبب.
ومع ذلك، تواجه هذه اللقاحات تحديات مثل قمع المناعة من قبل الورم أو تنوع الطفرات السرطانية، مما يتطلب دمجها مع مثبطات نقاط التفتيش المناعية (مثل PD-1 inhibitors).
معظم اللقاحات العلاجية لا تزال في مراحل التجارب السريرية، لكنها تُظهر نتائج واعدة في تحسين الاستجابة المناعية ومكافحة الورم.
أما فيما يخص اللقاح الروسي، فهذه خريطة تفصيلية عن مراحل تطويره:
المرحلة الأولى: الفكرة والانطلاق (2020-2021)
• بدأت الفكرة في مركز غاماليا الروسي، نفس الجهة التي طورت لقاح ”سبوتنيك V“ لكوفيد -19.
• لاحظ العلماء أن تقنية الحمض النووي الريبوزي mRNA يمكن تكييفها لتحفيز جهاز المناعة ضد الخلايا السرطانية، وليس فقط الفيروسات.
المرحلة الثانية: البحث ما قبل السريري (2021-2023)
• تم التعاون بين ثلاث مؤسسات بحثية: غاماليا، بلوخين، وهرتسن.
• جمع العلماء عينات من أورام سرطانية وأنسجة سليمة، ثم استخدموا أجهزة تسلسل جيني لتحديد الطفرات الفريدة في كل ورم.
• استخدموا الذكاء الاصطناعي لتصميم لقاحات مخصصة لكل نوع من السرطان، في أقل من ساعة.
• أجريت تجارب ناجحة على الحيوانات، أظهرت تقليص حجم الورم بنسبة تصل إلى 80%.
• منع انتشار النقائل السرطانية.
• تحسين الاستجابة المناعية بشكل ملحوظ.
المرحلة الثالثة: التجارب السريرية على البشر (2024-2025)
• بدأ اختبار اللقاح على مرضى يعانون من سرطان الجلد، خاصة الورم الميلانيني.
• يُحقن اللقاح إما في الورم مباشرة أو في العضل، حسب الحالة.
• يُصمم اللقاح بشكل شخصي لكل مريض، بناءً على تحليل الحمض النووي والRNA للخلايا السرطانية.
• عدد الحقن يختلف حسب استجابة الجسم، وقد يتراوح بين حقنة واحدة إلى خمس حقنٍ.
المرحلة الرابعة: التوسع والتوزيع المتوقع (2025 وما بعد)
• أعلنت وزارة الصحة الروسية أن اللقاح سيكون مجانيًا للمرضى، رغم أن تكلفته تصل إلى 3000 دولار للجرعة الواحدة.
• يجري العمل حاليًا على توسيع استخدامه ليشمل أنواعًا أخرى مثل:
- سرطان الرئة
- سرطان الكلى
- أورام الجهاز الهضمي
اللقاح معروف باسم إنتيروميكس (Enteromix)، يُعتبر من اللقاحات العلاجية (Therapeutic Cancer Vaccines) وبالأخص من نوع لقاحات الحمض النووي (Nucleic Acid Vaccines) القائمة على تقنية mRNA. كما أنه يُصنف كلقاح مخصص (Personalized Vaccine) لأنه يُصمم خصيصًا لكل مريض بناءً على الطفرات الجينية في أورامه.
يعتمد لقاح إنتيروميكس على تقنية mRNA, التي تستخدم تعليمات جينية لتوجيه خلايا الجسم لإنتاج بروتينات معينة تحفز الجهاز المناعي لمهاجمة الخلايا السرطانية. هذه التقنية مشابهة لتلك المستخدمة في لقاحات كوفيد -19.
• التخصيص الفردي: يُصمم اللقاح بناءً على الحمض النووي الريبوزي (RNA) الخاص بكل مريض، مما يجعله موجهًا لاستهداف الطفرات الفريدة في أورام المريض، مثل تلك الموجودة في سرطان القولون والمستقيم، الجليوبلاستوما (سرطان الدماغ)، أو أنواع معينة من الملانوما.
• الهدف العلاجي: يُستخدم إنتيروميكس لعلاج السرطان الموجود بالفعل، وليس للوقاية منه، حيث يعمل على تدريب الجهاز المناعي للتعرف على الخلايا السرطانية وتدميرها، مع تقليل الآثار الجانبية مقارنة بالعلاجات التقليدية مثل الكيميائي.
• الطابع الأونكوليتِي: يُشار إلى أن اللقاح يستخدم نهجًا أونكوليتيًا (oncolytic)، حيث يحتوي على فيروسات غير ضارة تهاجم الخلايا السرطانية مباشرة وتعزز الاستجابة المناعية.
• اللقاح لا يُعتبر علاجًا سحريًا، بل وسيلة داعمة للعلاج المناعي.
• لا تزال التجارب السريرية جارية، ولم تُنشر بعد نتائج طويلة المدى.
• هناك تحديات في تعميم اللقاح عالميًا، خاصة في الدول ذات الموارد المحدودة.
في الختام، اللقاح الروسي المذكور من اللقاحات العلاجية الفردية، التي تُصمم خصيصًا للمريض بناءً على التسلسل الجيني للورم، ولا يزال اللقاح تحت التجارب على البشر ولم تُستكمل حتى الآن، ولكن النتائج واعدة ومبشرة بمستقبل أفضل، في سبيل مكافحة هذا المرض الوبيل.