آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

قصة إنتاج عسل المانجروف في القطيف: من أزمة إلى إنجاز عالمي

عميد أبو المكارم *

في عام 2019، ومع اجتياح جائحة كورونا للعالم، عاش نحالو محافظة القطيف واحدة من أصعب المراحل في تاريخ تربية النحل. فقد حالت الظروف الصحية والقيود الاحترازية دون قدرتهم على الوصول إلى مناحلهم، كما ضعفت المراعي النحلية التقليدية حتى كادت تنعدم، ليجدوا أنفسهم أمام تحدٍ حقيقي يهدد مصدر رزقهم وتراثهم المتوارث عبر الأجيال، وسط هذه التحديات بادر مسؤولو مكتب وزارة البيئة والمياه والزراعة بمحافظة القطيف إلى البحث عن بدائل جديدة، بمراقبة المراعي النحلية الممكن الاستفادة منها والتي يمكن أن تحقق عائداً اقتصادياً كبيراً. ومع الدراسة والمتابعة الدقيقة، برزت غابات المانجروف الممتدة على سواحل المنطقة ككنز طبيعي ثمين، فهي تزهِر في فترة يقل فيها الرحيق من المراعي الأخرى، وتمثل بيئة خصبة لإنتاج عسل فريد.

2021 الانطلاقة الأولى:

في عام 2021، أطلق مكتب الوزارة بالقطيف أولى محطاته لإنتاج عسل المانجروف، لتبدأ قصة نجاح استثنائية. بقيادة فريق متميز من الكفاءات:

• المهندس محمد بن إبراهيم الدامغ «مدير المكتب».

• المهندس محمد بن يعقوب الأصمخ.

• المهندس منصور بن أحمد المغاسلة.

• المهندس عميد بن جعفر أبو المكارم.

• المهندس عدنان بن جعفر المرهون.

وقد حظيت هذه المبادرة بدعم ورعاية مباشرة من مدير فرع الوزارة بالمنطقة الشرقية المهندس عامر بن علي المطيري، مما عزز من نجاحها ومهد لانطلاقتها الفعلية.

2022 عام التوسع:

في العام التالي، 2022، شهدت المبادرة توسعاً ملحوظاً مع انضمام عدد أكبر من النحالين. بدأت الدائرة تكبر، والإنتاج يزداد تدريجياً، ليتحول المشروع من تجربة محدودة إلى مبادرة جماعية تخدم مجتمع النحالين وتفتح لهم آفاقاً اقتصادية جديدة.

2023 عام التمكين:

في عام 2023، ركزت الجهود على تمكين النحالين من خلال التدريب والتأهيل، وتحسين أساليب التربية والإنتاج، وتطوير طرق التسويق والتعبئة. وقد أسهم ذلك في رفع جودة العسل وتعزيز مكانته في السوق المحلية، ليصبح أكثر حضوراً وطلباً.

2024 عام التميز والتكريم:

مع بداية يناير 2024، بدأت رحلة جديدة للمبادرة، تزامنت مع بداية تواجد مدير فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بالمنطقة الشرقية المهندس فهد بن أحمد الحمزي، الذي أولى المبادرة اهتماماً كبيراً وعزز من فرص نجاحه.

وفي هذا العام تحديداً، تميز عسل المانجروف بحصوله على اعتراف واسع كمنتج فاخر وفريد من نوعه. كما حظي النحالون بتكريم خاص من المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، وذلك في اليوم الدولي لصون النظام الإيكولوجي لغابات المانجروف، تكريماً لدورهم في تعزيز الاستدامة البيئية وربط الإنتاج بالمسؤولية البيئية.

2025 عام الانطلاقة العالمية:

أما عام 2025، فقد كان علامة فارقة في هذه الرحلة، حيث وصل عسل المانجروف القطيفي إلى العالمية. فقد شارك النحالون في منافسات ومعارض دولية مرموقة، ونالوا جوائز رفيعة في الإمارات ولندن وباريس، ليضعوا اسم القطيف والمملكة على خريطة العسل العالمية.

إنتاج قياسي ودعم كريم

بلغت ذروة الإنتاج هذا العام بواقع 20 طناً من عسل المانجروف، جُمعت من مناطق الغابات الساحلية في سيهات وتاروت ودانة الرامس وصفوى والجبيل. وقد حظيت هذه المبادرة بمتابعة كريمة من لدن صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود، أمير المنطقة الشرقية، ومن سعادة محافظ القطيف الأستاذ إبراهيم بن محمد الخريف، الأمر الذي عزز من قوة المبادرة ومنحها زخماً استثنائياً.

خاتمة

إن قصة عسل المانجروف في القطيف ليست مجرد تجربة إنتاجية، بل هي رواية عن الإصرار والابتكار في مواجهة التحديات. فمن أزمة الجائحة وغياب المراعي التقليدية، إلى التوسع والتمكين والتميز، وصولاً إلى العالمية، صنعت المبادرة قصة نجاح وطنية نفتخر بها جميعاً. واليوم، يقف عسل المانجروف القطيفي شاهداً على أن التعاون بين المسؤولين والنحالين والدعم القيادي قادر على تحويل الأزمات إلى إنجازات يخلّدها التاريخ.