آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

تلبية الدعوة: حين يلتقي القلب بالقلب

ليست الدعوة ورقة مطبوعة، ولا رسالة عابرة على شاشة الهاتف، إنها نداء إنساني عميق، يفتح بابًا للقلوب كي تلتقي. كل دعوة تحمل بين سطورها معنى خفيًا يقول للمدعو: أنت لست عابرًا في حياتي، وجودك جزء من فرحي، حضورك يُكمل صورتي، أنت أكثر من رقم يُضاف إلى المقاعد.

الحضور شهادة تقدير

حين تلبّي الدعوة، فأنت لا تحضر بجسدك فقط، بل بروحك أيضًا. حضورك رسالة صامتة تقول: أنا هنا من أجلك، أشاركك فرحك أو حزنك، وأضع يدي في يدك في هذه اللحظة التي اخترتني أن أكون شاهدًا عليها.

إنها لحظة اعتراف بإنسانية الآخر، وتقدير لا يُكتب بالكلمات بل يُترجم بالفعل.

من زاوية الدين: الحضور بركة ورحمة

لقد أولى الإسلام تلبية الدعوة مكانة رفيعة، فجعلها من مظاهر الأخوة والإحسان، وأوصى النبي ﷺ بتلبية دعوة الوليمة والزواج. الحضور في هذه المناسبات ليس مجرد عادة اجتماعية، بل هو امتثال لأمر شرعي، يفيض بالبركة على الطرفين.

فالدعوة التي تُجاب لا تكتمل فرحة صاحبها فقط، بل تعمّق روابط المحبة بين المؤمنين، وتحوّل المناسبة إلى ساحة من الرحمة والتراحم.

من زاوية النفس: طاقة متبادلة

على المستوى النفسي، تلبية الدعوة تمنح الطرفين طاقة إيجابية نادرة. صاحب الدعوة يشعر بأنه ليس وحده، وأن تعبه وجهده وحرصه لم يذهب هباءً، بينما المدعو يذوق طعم الانتماء ويشعر أن مكانته محفوظة عند الآخر.

هي علاقة تبادل، فيها الأخذ والعطاء، فيها الاعتراف والتقدير، وفيها شعور متجدد بأننا كائنات اجتماعية لا يكتمل فرحنا إلا حين نتقاسمه.

من زاوية الاجتماع: محطات إنسانية لا تُنسى

الدعوات ليست مجرد تجمعات لأجساد، إنها لقاء للتاريخ والمشاعر والحوارات. قد يحمل لقاء قصير في مناسبة اجتماعية قيمة تعادل سنوات من الغياب. ففي هذه المحطات يُستعاد الحنين، وتُجدد العلاقات، وتُبنى جسور جديدة بين النفوس.

المناسبات هي وقود العلاقات الإنسانية، تمنعها من الذبول، وتمنحها فرصة للتنفس من جديد.

حتى الاعتذار له قيمة

قد يحول الانشغال أو البعد أو الظروف دون الحضور، لكن الاعتذار بصدق وكلمة رقيقة أو رسالة تقدير، له أثر عميق في قلب صاحب الدعوة. فالاعتذار اللطيف يقول ضمنًا: أنت حاضر في قلبي حتى إن غبت بجسدي. وهنا تتجلى قيمة الأخلاق في أرقى صورها.

البُعد الحضاري والإنساني

تلبية الدعوات ليست حكرًا على دين أو ثقافة بعينها، بل هي ممارسة إنسانية مشتركة بين الشعوب. من الشرق إلى الغرب، تُقيم المجتمعات وزناً عظيمًا لحضور المناسبات. بل إن بعض الثقافات تعتبر غيابك عن الدعوة قطيعة وجدانية، في حين أن حضورك يعد نوعًا من الوفاء والولاء للعلاقات الإنسانية.

الخلاصة: طقس من طقوس المحبة

تلبية الدعوة ليست تفصيلًا صغيرًا، إنها طقس من طقوس المحبة، بها نكسر العزلة، ونؤكد أننا معًا، ونمنح الآخر شعورًا لا يقدَّر بثمن: أنه ليس وحيدًا في فرحه.

هي فعل صغير في الظاهر، لكنه عظيم في الأثر؛ لأنه يربط القلب بالقلب، والإنسان بالإنسان، والمجتمع بالمجتمع.

فلتكن كل دعوة نداءً للمحبة، وكل تلبية شهادة على أننا لا نعيش وحدنا، بل نتشارك لحظاتنا كعائلة إنسانية كبرى.

دكتوراه في فلسفة العلوم النفسية وباحثة دكتوراه في الأدب والنقد