آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:15 ص

رحيل الفتى الخطيب… دمعة على وجنة الحسين (ع)

رضي منصور العسيف *

المرحوم الخطيب الشاب كرار العسيف

عرفته صغيرًا، في ربيع عمره، حين كان العالم محجورًا خلف الأبواب أيام جائحة كورونا. هناك، على شاشة الهاتف، ظهر صوته الحسيني من خلال منصة الإنستغرام، يحمل منبره الصغير بين يديه، يقرأ أبياتًا حسينية بصدقٍ يفوق عمره، وكأن التاريخ قد اختاره ليكون صدى لكربلاء.

كنت أتابعه بين حين وآخر، متسائلًا في داخلي: كيف لطفلٍ لم يتجاوز الثانية عشرة أن يحمل همَّ الحسين في قلبه الصغير، بينما أقرانه يلهون في غفلة الطفولة؟ لكنه لم يكن كالأقران… لقد كان يتدرب ليكون صوتًا رساليًا، يبكي الحضور، ينشر القيم، ويزرع بذور الولاء في قلوب سامعيه.

اتصلتُ به يومًا لأدعوه للمشاركة في كتابي ألف باء عاشوراء ليقرأ زيارة وارث. فما كان منه إلا أن لبّى النداء، وقرأها بصوته العذب، فخلّد معانيها في ذاكرة من سمعه. ومن بعدها توالت مشاركاته معنا في لجنة الإمام الجواد ، يرفع صوته في دعاء كميل ودعاء التوسل، ويقرأ المجالس الحسينية بخشوع يملأ القلوب.

كان كل من يسمعه يتوسم فيه مستقبلاً مشرقًا، ويرى فيه خطيبًا مفوّهًا سيحمل مشعل المنبر الحسيني لأجيال قادمة. لكن القدر خبأ لنا صدمةً موجعة؛ إذ رحل في ربيع شبابه، في عمرٍ لم يتجاوز الثامنة عشرة، تاركًا وراءه غصّة لا تندمل.

لقد كان مصداقًا لقول الإمام الصادق :

”لستُ أحب أن أرى الشاب منكم إلا غاديًا في حالين: إما عالِمًا أو متعلِّمًا.“ [1] 

فقد كرّس حياته القصيرة للعلم، ولخدمة أهل البيت .

وعندما شاع خبر وفاته، خيّم الحزن على المجتمع، فالملا كرار كان من أولئك الذين ذكرهم رسول الله ﷺ:

”إن أحب الخلائق إلى الله عز وجل شاب حدث السن في صورة حسنة، جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته، ذلك الذي يباهي به الرحمن ملائكته، يقول: هذا عبدي حقًا.“ [2] 

رحمك الله يا كرار… لقد تركت لنا رسالةً صافية:

كونوا في خدمة دينكم منذ صغركم، أحبّوا نبيكم وأهل بيته، يحببكم الله.

نم قرير العين أيها الخطيب الصغير، فقد أحبك الله، وأحبك الناس، وأسكنك الله فسيح جناته مع النبي محمد وآله الطاهرين.


[1]  [2]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - ص 1401
كاتب وأخصائي تغذية- القطيف