آخر تحديث: 20 / 9 / 2025م - 11:54 م

ولا يهون النفط «5»: الاستثمار الأجنبي المباشر - الداخل والمغادر

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال

أحسنت الهيئة العامة للإحصاء صنعاً بإصدار تقرير إحصائي مفصل عن الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة، وتيرتهُ ربعية ويُبين الدفقات الداخلة والخارجية والصافية، موزعةً على مستوى النشاط الاقتصادي في سلسلة زمنية تبدأ من العام 2015 وحتى العام 2024. كذلك أصدرت تقريرها عن تلك التدفقات في الربع الأول من العام 2025، والذي شهد صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي زيادةً بمقدار 43.7 بالمائة مقارنة بالربع النظير من العام 2024.

ولعل الهيئة - في الربع القادم وكذلك في الإحصاءات السنوية - تُقَسم الصناعات التحويلية إلى مكونين اثنين صناعات تحويلية - نفط وغاز، وصناعات تحويلية غير نفطية، أخذاً في الاعتبار الاهتمام المحوري لرؤية المملكة 2030 في تنويع الاقتصادي السعودي. وهذا لا يقلل من الجهد المهني المميز، فهي مجرد ملاحظة على الهامش. فضلاً عن أن التقارير السنوية لرؤية السعودية 2030 تبرز مؤشر نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو إحدى مستهدفات الرؤية، وبلغت قيمة المؤشر 2.4 بالمائة في العام 2023 وفقاً لتقرير الرؤية لعام 2024، محققة تدفقات داخلة قدرها 96 مليار ريال، مرتفعةً من 1.1 بالمائة عند انطلاق الرؤية، أما القيمة المستهدفة للمؤشر فهي أن تبلغ 5.7 بالمائة في العام 2030. ويذكر أن التدفقات الداخلة التي تحققت في العام 2024 بلغت 87 مليار ريال وفقاً لإحصاءات الهيئة.

وهنا تتبادر أسئلة: كيف نمت الاستثمارات الأجنبية المباشرة؟ وما أبرز القطاعات المستقطبة لها؟ وما القطاعات التي كان أداؤها لافتاً؟ وما وضع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر المغادرة؟

عند التمعن في الإحصاءات ستجد أن مخزون الاستثمار الأجنبي المباشر بلغ 977 مليار ريال بنهاية العام 2024، أي ضعف «تحديداً 1.97 مرة» عما كان عليه في العام 2016. أما أبرز القطاعات المستقطبة فهي الصناعة التحويلية «بشقيها النفطي وغير النفطي»، ثم تجارة الجملة والتجزئة، ثم الخدمات المالية، ثم النقل ممثلةً 68 بالمائة من إجمالي قيمة المخزون، هذا في العام 2024، أما في العام 2016 فقد كانت كذلك القطاعات الثلاثة الأولى أما النقل فقد كانت مرتبته متأخرة «11»، وتمكن في سنوات الرؤية خلال الفترة «2017-2024» القفز إلى المرتبة الرابعة، ومضاعفة نصيبه من مخزون الاستثمار الأجنبي المباشر 8.5 ضعفاً «من 13 مليار في العام 2016 إلى 111 مليار ريال في العام 2024»، وكانت الأنشطة الأربعة تمثل آنئذ 60 بالمائة من الإجمالي.

وفيما يتصل بجنسية مخزون الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية، يلاحظ أن عدد من الجنسيات أقبلت على الاستثمار في السعودية، فقد تضاعف مخزون الاستثمار المباشر من لوكسمبرج 52 ضعفاً، الصين 3 أضعاف، البرازيل 7 أضعاف، سويسرا ضعفين، كوريا الجنوبية 6 أضعاف.

أما صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى السعودية فلم يشهد تغييراً كبيراً؛ وفقاً لإحصاءات الهيئة العامة للإحصاء، فقد بلغ الصافي 82.3 مليار ريال في العام 2016 وانخفض بحِدة إلى 6 مليارات في العام 2020 بسبب جائحة كورونا، ثم ارتد بقوة إلى 106 مليار في العام 2021، ثم أخذ في التراجع تدريجياً خلال الأعوام الثلاثة التالية إلى 100 مليار في العام 2022، ثم 86 مليار في العام 2023، ثم 80 في العام 2024. وتجدر الإشارة أنه في العام 2024 استأثرت أربعة قطاعات بثلاثة أرباع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي على السعودية: الصناعة التحويلية «النفطية وغير النفطية» 23 بالمائة، التجارة 19 بالمائة، الخدمات المالية 18 بالمائة والتشييد 15 بالمائة. وفيما يتصل بالجنسية، ففي العام 2024 احتلت المراتب الخمس الأولى الدول التالية على التوالي: الولايات المتحدة ثم الإمارات، ثم هونج كونج، ثم سنغافورة، ثم جمهورية مصر العربية. لكن ينبغي التنبه إلى أن "صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر هو ناتج التدفقات الداخلة إلى المملكة مطروحاً منها التدفقات المغادرة للمملكة.

وتستحق التدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر المغادرة إضاءة على شقين:

«1» أبرز القطاعات التي تخرج منها الاستثمارات: في العام 2024 قدرت قيمتها بما يقارب 40 مليار ريال، منها 17 مليار في الصناعة التحويلية «ولم توضح الإحصائية أية صناعة تحويلية نفطية أم غير نفطية، وثمة فارق كبير بينهما»، 6 مليارات ريال في التشييد، و 5 مليارات في النقل والتخزين، و 3.4 مليار في التجارة، وهذه القطاعات الأربعة تمثل نحو أربعة أخماس التدفقات الخارجة.

«2» سياسة المملكة اتجاه الاستثمار الأجنبي المباشر المغادر: بدايةً، تجدر الإشارة أن جُلّ الدول النامية تفرض تقييدات على مغادرة الاستثمارات لاقتصاداتها، وهي تقيدات - دون شك - منفرة للمستثمرين، ولا تنسجم مع توجهات رؤية المملكة وسياساتها الاقتصادية المنفتحة والمواكبة لأفضل الممارسات الدولية، ويتضح هذا بجلاء في أن أحكام نظام الاستثمار الجديد الذي دخل حيز التنفيذ في بداية العام 2025، وضعت اشتراطات للاستثمارات المباشرة الداخلة مثل التسجيل والقائمة السلبية التي تقيد الاستثمار في القطاعات ذات الحساسية الأمنية أو الاجتماعية - الاقتصادية، لكنها لم تقيد حركة وحرية الاستثمارات الخارجة. وإجمالاً فإن الدول المتقدمة تفرض تقييدات ذات صلة بالنواحي الأمنية والأسرار التقنية وما يتصل بإضعاف الميزة التنافسية. وعلى صلة بما سبق فلا بد من الإشارة إلى أن السعودية تملك أحد أكبر صناديق السيادية في العالم وهو نشط في الاستثمار محلياً وخارجياً، حيث يمتلك محفظة استثمارية ضخمة في الخارج في أنشطة متعددة، تقدر قيمتها بنحو 600 مليار ريال وفق إحصاءات العام 2024. «يتبع»

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى