آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:16 ص

الثقافة المجتمعية… الإيجابيات والسلبيات

محمد يوسف آل مال الله *

قبل الحديث عن الثقافة المجتمعية وإيجابياتها وسلبياتها، لابد من تعريف الثقافة في المنظورين الإسلامي والأكاديمي لما للثقافة من ارتباط كبير بين الجانبين وانعكاساتها على المجتمع.

تعرّف الثقافة الإسلامية على أنّها مجموعة المعارف، القيم، العادات، والسلوكيات التي تنظّم حياة الإنسان الفردية والجماعية، وتكون متوافقة مع تعاليم الشريعة الإسلامية ومبادئ الدين الحنيف، بحيث تحقق الخير للفرد والمجتمع، ومن أبرز سماتها المرجعية الدينية، إذ أنّ كل معرفة أو سلوك أو عادة يُقاس بمدى توافقه مع القرآن والسنة. كما أنّ التهذيب الأخلاقي سمة أخرى للثقافة الإسلامية حيث تركّز على تنمية الفضائل مثل الصدق، الأمانة، الرحمة، والعدل.

السمة الأخرى في الثقافة الإسلامية هو التكامل بين الفرد والمجتمع، فالثقافة ليست فقط معرفة شخصية، بل تهدف إلى بناء مجتمع متماسك يسوده التعاون والتكافل. كما أنّ الثقافة بحاجة إلى المرونة والتجديد، حيث نجد أنّ الإسلام يشجّع على التعلّم والتطوّر طالما لا يتعارض مع المبادئ الشرعية.

وعليه يمكننا القول انّ الثقافة الإسلامية لا تقتصر على العبادات فحسب، بل تشمل الحياة اليومية، العلوم، الأخلاق، الفنون، والمعاملات، بحيث تُوجّه جميعها نحو الصلاح الفردي والجماعي، فالثقافة ليست مجرد سلوك أو عادات، بل هي كل ما يربّي الإنسان ويشكّل شخصيته وفق قيم ومبادئ الإسلام.

أمّا الثقافة في المنظور الأكاديمي «علم الاجتماع والأنثروبولوجيا» فهي مجموعة من الرموز والقيم والمعتقدات والمعارف والأنماط السلوكية التي يكتسبها الأفراد من خلال التفاعل الاجتماعي، والتي تُنظّم حياتهم وتحدد أنماط تفكيرهم وتوجهاتهم. أي أنها ليست فطرية بل مكتسبة من البيئة والمجتمع. بمعنى آخر فإنّ الثقافة تعني طريقة حياة مجتمع ما، وتشمل ما يفكّر به أفراده وما يؤمنون به، وكيف يعيشون ويتواصلون مع بعضهم البعض.

إذًا فالثقافة هي مجموعة من المعارف والقيم والعادات والتقاليد والأنماط السلوكية التي يكتسبها الإنسان من مجتمعه، وتُشكّل هويته وطريقة تفكيره وتعامله مع الآخرين.

بعبارة أخرى، الثقافة ليست مجرد علوم أو فنون، بل هي كل ما يصنع شخصية الإنسان الفردية والجماعية، بدءًا من اللغة والرموز، مرورًا بالعادات الاجتماعية والدينية، وصولاً إلى الإبداعات الفكرية والفنية.

وعليه يمكننا القول أنّ الثقافة أشبه بمرآة المجتمع، تعكس هويته وتاريخه، وتوحّد أفراده تحت إطار مشترك، حيث تنتقل عبر الأجيال بالتعليم والتقليد والتواصل.

بقي أن نتعرّف على الآثار الناجمة عن الثقافة المجتمعية من زاويتين، الإيجابية والسلبية.

الآثار الإيجابية للثقافة المجتمعية:

• تعزيز الهوية والانتماء، حيث أنّ الثقافة تمنح الفرد شعورًا بالانتماء والأمان من خلال ارتباطه بجذور ثقافية مشتركة.

• الحفاظ على التراث والقيم، فمن خلال الثقافة نستطيع أن نحافظ على عاداتنا وتقاليدنا ولغتنا وفنوننا التي تميّز مجتمعنا عن غيره.

• تعزيز التضامن الاجتماعي، فالثقافة تسهم في تقوية العلاقات بين أفراد المجتمع من خلال القيم المشتركة مثل التعاون والتكافل.

• نقل الخبرات والمعرفة، حيث تعتبر الثقافة وسيلة لنقل الحكمة والتجارب بين الأجيال، مما يساعد على الاستقرار الاجتماعي.

• تشجيع الإبداع، ذلك أنّ الثقافة تفتح المجال للفنون والآداب والفكر، مما يعكس التنوّع والقدرة على الإبداع.

الآثار السلبية للثقافة المجتمعية:

• المحافظة المفرطة والجمود، إذ قد يؤدي التمسك الشديد بالعادات القديمة إلى عرقلة التطورّ والتغيير الإيجابي.

• التعصب والتمييز، قد نرى في بعض المجتمعات، استغلالًا للثقافة لتبرير التمييز الطبقي أو العرقي أو الديني.

• الضغط الاجتماعي، في كثير من الأحيان قد يشعر الأفراد بأنّهم مجبرون على اتباع معايير معينة حتى لو تعارضت مع رغباتهم الشخصية.

• مقاومة الانفتاح على الآخر، حيث أنّ بعض الثقافات قد ترفض الأفكار الجديدة أو التأثيرات الخارجية مما يقلل من فرص التبادل الحضاري.

• نقل المعتقدات الخاطئة، وذلك عبر بعض الموروثات الثقافية التي تحتوي على خرافات أو ممارسات ضارة يتم تناقلها جيلاً بعد جيل.

مما تقدّم نجد أنّ الثقافة المجتمعية سلاح ذو حدين: فهي جسر للتواصل والهوية إذا استُثمرت بإيجابية، لكنّها قد تصبح حاجزًا للتطوّر والانفتاح إذا سيطر عليها الجمود أو التعصب. الثقافة إطار فكري وسلوكي ينظّم حياة المجتمع، ووسيلة للتواصل بين الأجيال والأمم، كما أنّها مخزون من التجارب الإنسانية التي تتطور باستمرار. بمعنى آخر فإنّ الثقافة تُعتبر الهواء الفكري والاجتماعي الذي يتنفسه الإنسان ويعيش فيه.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
عماد آل عبيدان
6 / 9 / 2025م - 6:18 م
الثقافة المجتمعية نهرٌ ورصيدٌ حيّ، يسقي جذور الهوية ويقوّي الروابط، لكنها تُلقي أحيانًا في مجراها أحجارًا من العادات المرهقة فتُكبّل التغيير. والوعي أن نرتشف عذوبتها ونأخذ من زهرها، ونترك شوكها، فنظلّ أوفياء للأصل وأحرارًا في المسير.