بحر العلوم وترسيخ الاعتدال الإسلامي؟
في زمنٍ تتصاعد فيه النزاعات الطائفية وتتعرض المجتمعات العربية لضغوط الانقسام، يكتسب غياب الأصوات المعتدلة وزناً مضاعفاً، لأن الحاجة ملحة لجهود الشخصيات المدنية والدينية التي ترسخ خطاباً قوامه احترام التعددية ونبذ الكراهية؛ خطابا يعلي من شأن المواطنة وسيادة القانون، ويقدم الدين في صورته الرحمانية التي جاءت من أجل خير البشرية جمعاء.
هكذا بدا رحيل السيد محمد علي بحر العلوم في أغسطس الماضي، إذ مثّل خسارة لنهجٍ هادئ، متزن، يربط بين القيمِ الدينية والانفتاح على العالم، دون أن يفقد هويته، أو يُجبر الآخر على رؤيته الخاصة، بل يبني علاقات من الاحترام المتبادل والشراكة الفعالة.
جمعَ الراحلُ بين التكوين الحوزوي وخلفيته الأكاديمية، بحصوله على ماجستير في الشريعة والقانون، ما جعله أكثر قدرة على التوفيق بين مقتضيات النص الديني وضرورات الواقع المعاصر. ساعدته على ذلك البيئة التي نشأ فيها، فهو سليل أسرة ”بحر العلوم“ التي عُرفت تاريخياً بالانفتاح والمشاركة الوطنية؛ فقد أورثه والده السيد محمد بحر العلوم وعيًا بأن الدين عامل تعاضدٍ لا أداة إقصاء. تجلّى هذا النهج في مشاركته بـ ”ملتقى المرجعيات العراقية“ الذي نظمته ”رابطة العالم الإسلامي“ في مكة المكرمة، عام 2021، حيث شدد حينها العلامة بحر العلوم على أن ”الوسطية تحتاج إلى جهد وسلوك وعمل وجرأة في اتخاذ المواقف المعتدلة“. وهي المشاركة التي كانت محل إشادة ”الرابطة“ والتي أبرزت في بيان تعزيتها مكانته كأحد كبار علماء النجف الذين حرصوا على مواجهة الصدام الطائفي بالحوار والتعايش، وهو تقدير يعكس احترام ”الرابطة“ لشخص بحر العلوم وخطابه المعتدل والداعم لترسيخ السلم الأهلي ونبذ الفرقة بين المسلمين.
غيابُ بحر العلوم يذكِرُ بأن الاعتدال ليس فضيلة أخلاقية فقط، بل ضرورة استراتيجية لضمان الاستقرار في العراق والخليج العربي، حيث يبقى الخطاب الجامع الطريق الأوحد لتجنيب المنطقة مخاطر الانقسام الطائفي، لذا فإن التعاون يجب أن يستمر بين المؤسسات الدينية والمدنية، والقيادات الروحية، للإعلاء من قيمة العقل وقيم التراحم بين البشر.