آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

لا للمخدرات

سلمان العنكي

”لا تتركوهم، في الأولى سهلة، الثانية أصعب، والثالثة ربما لا تنفع“

يتعرض العالم بأسره دون استثناء لداء المخدرات، حيث تمثل هذه المادة الفتاكة الخطر الأكبر على الإنسانية، خصوصاً مَن في سن المراهقة. يتعدى داؤها المتعاطي إلى إتلاف العقول، وارتكاب جرائم، وضياع أموال تعاني منها الحكومات والعائلات والمجتمعات. تُصنَّف على أنها رأس كل خطيئة.

وللتخلص منها، أو لا أقل تحجيمها ما أمكن، تلزمنا ثلاث خُطوات نحمي بها فتياننا وفتياتنا منها، أو إنقاذهم حال وقوعهم فيها:

الأولى: التربية والمتابعة

نولد على الفطرة صحيفة بيضاء، ”سواسية طفل الملوك كطفل الحاشية“. ومن هنا تبدأ مسؤولية الآباء التربوية؛ يجهدون، يقدمون الأحسن، يحفظون، يعلمون، يبعدون الأشرار.

وإذا تعلق الأمر بمَن نعنيهم ونقصدهم: ﴿لا تأخذكم العزة بالإثم [البقرة -206]. لا ضير من الاستعانة بأصحاب التخصص والمراكز المعتمدة في هذا الشأن، مشاورتهم، اتباع توجيهاتهم، كذلك إبلاغ الجهات الرسمية إن استعصى علينا الأمر وخرج عن السيطرة. فإنهم يتعاملون بالسرية التامة.

ضماد الجرح عند بدايته خير من تركه يتعفن ويستفحل في نهايته ويستعصي علاجه. ولنعلم جميعاً أننا لسنا لوحدنا في الساحة؛ فهي متسعة مكشوفة، مفتحة الأبواب، يجول فيها مجرمون محترفون على خيول مزينة يعرضون بضائعهم بمغريات وأوهام يأسِرون بها الأفكار فيعطلونها ليستعبدوها. ينخدع بها الجاهلون، ومَن يتعامل معهم يوصلونه إلى وادٍ سحيق، إلى مأوى الجحيم.

فالحذر من هؤلاء، ”إنهم مافيا العصر وأبالسته“. صعّبوا المهمة فاستصعبت علينا، بالصبر الممل والمتابعة من قريب وبعيد، مع الاطلاع على الأحداث العالمية والمستجدات العلمية ومواقع التواصل والأجهزة المتداولة، وطرح الأسئلة: من أين لك هذا؟ من هو قرينك؟ لماذا تأخرت؟ أين كنت؟ ما هذه المتغيرات الظاهرة على شكلك وسلوكك؟ ما أسباب فشلك؟

استخدام لغة التهديد المتوازنة أحياناً متى لزمت، لننجح فيما نسعى إليه وتكون لنا الغلبة على التيارات المحدقة بنا، حتى لا ننتقل مضطرين للخطوة التي بعدها.

الثانية: العقوبة التأديبية

شُرعت وقُننت كوسيلة ردع، لا غاية انتقام. ولعل أبرزها وأعمها عالمياً ”السجن“ لتقويم المخالف، أو إعدامه في الكبائر وتخويف غيره أن يرتكب مثله. ومع نيل المذنب جزاءه، فإن الدائرة التي رسمها من بقي على قيد الحياة لم تُغلق بعد؛ على الأهل والمجتمع مراقبة حالته النفسية والمالية والاجتماعية كي لا يعود لما كان عليه. وتتمثل هذه في تطبيق المرحلة التالية.

الثالثة: إعادة التأهيل

من خلال ثلاثة محاور:

1. قضى المبتلى سنوات حبيساً عقاباً لما جناه، تنفيذاً لأحكام صدرت بحقه. بعضهم كررها مرات لجهله أو غياب الموجّه. هذه كافية لانفصاله عن أهم عناصر الحياة؛ خرج لا يُبصر الطريق، لا أصدقاء، لا معارف، لا مُحَدِّث. الكل يخافه ويُخاف منه. لذا يجب احتضانه بدفء لتهيئته للقادم. لو تُرك، عاد كالسابق وأسوأ. وإن عجزنا عن إصلاحه في هذه الفترة الحساسة فنحن بعدها أعجز. للأسف، نبذل الملايين لعتق الرقاب ولا نضحي بملاليم لإعادة الشباب للصواب.

2. بعدها يجب مساعدته بإيجاد فرصة عمل ولو متواضعة تسد حاجته المادية، تغنيه عن السؤال، تشغل فراغه فلا يفكر في ماضيه إلى أن يجد ما هو أفضل. تركه دون عمل ودخل، وهو لا يزال متأثراً بتلك العادات المذمومة، يضعف إرادته ويقلل مقاومته، ويُزين له ما كان عليه، فينكفئ ويعتزل. وهذه فترة سُم قاتل لا يستطيع اجتيازها لوحده منفرداً.

3. إذا حسُنت أخلاقه واستقر، وأعرض عن أفعاله المشينة، بمعنى: هو اليوم غير الأمس، نسخة جديدة فعّالة، باستطاعته تحمّل الأعباء والإنفاق على بيت الزوجية. وإن لم يكن متزوجاً سلفاً أو كان منفصلاً، فما المانع من تزويجه بعد ذهاب ما يُخاف منه؟ خصوصاً وقت ارتكابه لها كان صغيراً، فلا نضيعه نلقيه في أفواه المفسدين إلى الأبد يقطعون أوصاله، فنكون سبباً في تحبيطه وتدميره. ”قبل كنا محقين، أما الآن فالقليل الصالح مثله“.

وأن لا نسمع كل ما يُنقل عنه من غير علم ودراية وتأكيد، كما هي العادة نشهّر بعيوب غيرنا وفيما فينا كبائرها. زوجة وأولاد ينسونه السيئين، ويكون هذا فيما بعد أمكن المصلحين في مجاله، لمعرفته بالزوايا المخفية، تجارب مرّ بها فيُستفاد منه ويُتخذ قدوة.

نقول: المثالية بعيدة المنال، صعبة التحقيق، ولكن للأمل لا لليأس. رحمته تعالى وسعت كل شيء، سبحانه مغير الأحوال. كم مريض حُفر قبره، شُفي وعاش أزماناً، وكم منتظر لذرية عشرين سنةً فأكثر، رُزق. كم معسر أيسر واستغنى. كم وكم. لا مستحيل مع الإصرار والعزيمة.