آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

كرامتك… لا تتخلى عنها

المهندس أمير الصالح *

ركب المدرس إدوارد «اسم افتراضي» الموجة الحالية وأصبح صانع محتوى بالعالم الرقمي؛ ومع الوقت وجد نفسه، كلما زاد عدد متابعيه كلما زاد رصيده البنكي وزاد عدد المتملقين من حوله وأعده البعض أنه مؤثر اجتماعي influencer, وزاد عدد المصورين له في الأماكن العامة والمحتفين به في المجالس. إلا أنه مع مرور الوقت وقلَّ رصيده الفكري والعلمي، أفلس في طرحه وتدنّى مستوى جودة مضمون محتواه، فتحول تدريجيًا إلى نشر صور ومقاطع ولقاءات بها إيحاءات الرذيلة واستضافة المهرجين وبعض المبتذلات. وأخذ يردد في ختامية كل مقطع ينشره جملة: ”كبّسوا يا شباب، شيروا يا بنات!“.

ذات يوم، زاره والده/أخوه/صديقه الوفي بالتناوب وقالوا له: ”أستاذ إدوارد، احفظ كرامتك أو ما بقي منها، فقد كنت مدرسًا مميزًا وفجأة تركت كل ذلك ودخلت في زواريب مظلمة ومحتوى هابط. لا تنسَ أن حب البروز والشهرة والأضواء والمال قد ينسف كل بصماتك الماضية الجيدة. كما أنك ترى أن التيار العاصف في العالم الرقمي حول العالم جرف الكثير من الشباب والفتيات في مستنقع الرذيلة والتفاهة والضياع والفردانية والاكتئاب. فإن بعض الشباب والفتيات بدأوا طريقهم في العالم الرقمي بالفضول ثم بالترنّح والميلان على أنغام المعازف وحضور مجالس البطالين، وانتهى المطاف بهم/بهن أن أصبحوا من الفسقة/من ذوات علم/عباد للمال والشهرة/نسفوا كل القيم. وقد تحول بعضهم بسبب ذاك وهذا إلى أداة في أيدي أعداء الوطن والمجتمع والدين والفضيلة. بل إن البعض منهم أخذوا يروجون لأفكار هدامة للأسر، ولا يتورعون من إغواء الشباب والفتيات واستدراجهم لما يدمر المجتمع والأوطان، والكفر بالله والتحفيز على الفجور والإلحاد والفسوق، والرقص على جراحات الطيبين والتهكم على الفقراء والمساكين“.

انكشفت النوايا

لعل من جملة ما تم اكتشافه وتلمّسه بعد انتشار تطبيقات السوشيال ميديا بأيدي عامة الناس:

1 - كشف الأقنعة للبعض من البشر.

2 - التمحيص للصادقين من المنافقين.

3 - الفرز والتمييز للبعض بناءً على إسهاماته ومشاركاته واهتماماته وآثاره وكتاباته.

4 - الاطلاع على أدوات وأجندات الفسق والمكر والتضليل والشبهات التي يروج/تروج لها بعض القروبات والمجموعات والأفراد.

5 - توثيق تغيّر حال وأحوال البعض من الناس سواء بالإيجاب أو السلب.

6 - معرفة أحوال البعض من البشر وطبيعة علاقاتهم واصطفافاتهم.

إغواء أهل الانحراف

يجيد البعض من محبي الشهرة والنجومية في الأوساط الاجتماعية تمرير بعض شبهاته وأفكاره وترويج بعض مناكفاته وتكوين جمهور من حوله عبر وسائل قديمة جديدة كإقامة الولائم شبه اليومية سواء تحت غطاء مناسبة أو بدون مناسبة، وفتح مجلسه للمستهدفين من الفتيان والشباب، واستقطاب الحضور لديه عبر جلب الشخصيات المشهورة وتمرير أفكار معينة/استفزازية للمجتمع المحافظ، أو عبر تقديم الهدايا للأعوان والأبواق والترويج لشخصه عبر قنوات السوشيال ميديا واستمالة قليلي العلم ومحبي الطعام ومبغضي القيم والمتفلتين منها. ويُسبغون على جلسائهم ألقابًا كبيرة طمعًا في استمالتهم. ومع شديد الأسف هناك من تنطلي عليه كل أو بعض تلك الحيل ويعطي الاحترام لمن يقدم فتات مال وإن على حساب كرامته.

وعليه أنصح كل ذي عقل وبصيرة أن يُحلل الوضع من حوله في أي مجتمع/قروب/شلة طغت أو تطغى فيه الأنانية والصراعات الاجتماعية والتجاذبات الطبقية وحب البروز قبل فوات الأوان أو الندم. وأنصح بتدارس الأمور وفقًا للتالي:

أ - مراجعة أي دعوة لأي وليمة بطرح أسئلة على النفس:

من أين أتت الدعوة؟ ما هي المناسبة؟ ما الأهداف المحتملة من الحضور؟ …إلخ.

الواجب: من واقع تجربة، لا تقبل دعوة الأصناف البشرية التالية:

1 - الذي يدعوك عن طريق شخص آخر وهو يمتلك رقم جوالك ويعرفك معرفة شخصية. فإن دعوته عن طريق شخص آخر فقط لرفع العتب وخلق الأعذار لنفسه أمام بعض الأفراد بأنه أوكل شخصًا آخر لدعوتك.

2 - الذي يدعوك آخر الوقت، فأنت لست في قائمة المدعوين الأساسية بل دعوتهم لك لإكمال العدد وملء بعض المقاعد الشاغرة.

3 - ترفع عن استجابة الداعين وإلى الذي يسيء إلى أهلك ومجتمعك ووظيفتك ودينك ويتلفظ في ذات الوقت بألفاظ سيئة ونابية وتهكم صريح ثم يدعوك لمجلسه أو موائده.

4 - كثير المَنّ والأذى.

كقول بعضهم كلمة ”ابلع“ بدل ”تفضل“، أو امتهان الآخرين عند تقديم الطعام أو اللمز والغمز كقول: ”كلا فإنك لا تستطيع أن تدفع ثمن هذه المائدة من جيبك“ أو القول: ”تعالوا تعالوا ترى الأكل بالمجان“، أو التصوير ونشر الصور لأكبر نطاق على السوشيال ميديا بأهداف غير بريئة.

تذكّر: الكرامة أهم من حفنة رز ولحم أو سفرة مجانية.

ب - الدعوة للمرافقة في المنتجعات والديوانيات المبهرة.

ج - الاعتقاد بأن الداعي لديه بعض من العلاقات العامة وتمكّنه من تسهيل بعض الأمور.

د - استجابة دعوة أحدهم للمرافقة في السفر لمحطات سياحية اشتهرت بامتهان السياح من ذوي القوميات الأخرى.

همسة عتاب

تركُ جملةٍ من النخبة والعلماء الناضجين والأكاديميين فراغًا ثقافيًا كبيرًا بالوسط الاجتماعي، أملاه بعض أشباه المتعلمين وأشباه المتحدثين. فانعقدت مجالس وديوانيات متعددة بمدن عدة بعناوين مختلفة، والحصيلة المزيد من التفتت والتراشقات والعنتريات وازدراء الدين، وكل يتزعم التحدث باسم المجتمع.

همسة اعتذار

نلتمس الأعذار للبعض، لكن نعرف بأن صاحب المبادئ الرصينة عندما نراه مجالسًا لفاجر أو منحرف أو مبتذل أو فاسق أو مشاكس سلوكيًا فالمتأمل منه أن يحاوره بالحسنى وينصحه عن سلوكه المنحرف.

انتقاء الأصحاب

عزّز أواصر الوصل بالأفراد ذوي السمات التالية:

1 - من يحترم مبادئك وفضاءك وقيمك وحدودك ووقتك ومسؤولياتك الأخرى.

2 - من يحفظ الأمانة في القول والعمل والنقل.

3 - من يأخذ التزاماتك ومسؤولياتك الأخرى بعين الاعتبار.

4 - من يشعرك بأنك ذو قيمة ولك اعتبار.

5 - من يجلب لك السعادة في حياتك ويتفادى استخدامك كمكبّ نفايات لمشاكله.

6 - من يجنبك متاعبه الشخصية بأقصى قدر.

7 - من يردفك ويشجعك لتحقيق النجاح والنمو والثقة والاستقلال.

8 - من يتجنب التحكم بك أو يتسلق عليك.

9 - من لا يتهكم أو يكذب أو يسخر منك أو يضللك أو يتلاعب بمشاعرك.

10 - من لا يفرض أوامره عليك أو يسقط أحكامه نحوك بناءً على متغيرات ظروفه.

11 - من يقيم وزنًا لجهودك وتعاونك ووقفاتك ونصائحك.

12 - من يحترم وجهة نظرك ومشاعرك وثقتك.

13 - من يعطي أكثر مما يأخذ؛ ويرجّح العقل على العاطفة.

14 - من يحترم ويطبق مفهوم الولاء وروح الفريق وحفظ الهوية ومحل ثقة وكتم الأسرار.

15 - من ينهض بك للأعلى ونحو النجاح ويكون مسرورًا لنجاحك ومتعاطفًا لما قد يحل بك من نكبات الدهر.

16 - من يستعين بك في أعمال الخير ويبعد عنك مواطن الشر وأهل النفاق.

17 - من يتحمل تبعات قراراته ولا يرميها على أحد آخر.

ختامًا

”إذا كان آخر الزمان، ابتُلي الناس بزمان لا يُعرف فيه المخلصون إلا بتركهم ما يحبون … ويصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا“ مروي عن لسان الإمام الحسين - بحار الأنوار.

وعن رسول الله محمد ﷺ: ”بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا“ - صحيح مسلم.

فليكن شعار الأوفياء: الكرامة أمانة، والأمانة من الدين، والدين وفاء: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء -70].

الرجولة والإنسانية ليست بادعاء الانتماء لدين أو طائفة أو جنسية أو مركز وظيفي أو كثرة أرصدة مالية، بل بالتربية الحسنة والسلوك السوي وحسن إدارة المواقف والتواضع مع الآخرين ومساندة الناس.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ [الممتحنة -1].