آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

من ذاكرة معلم: الأستاذ حسن أحمد السنان «أبو حسام»

رضي منصور العسيف *

شيء من السيرة الذاتية

وُلد الأستاذ حسن أحمد السنان في قلعة القطيف عام 1363 هـ، وتخرّج من المدرسة الصناعية بالدمام، تخصص نقش وزخرفة. التحق بوزارة المعارف عام 1384 هـ معلمًا للتربية الفنية، ليكون أول معلمٍ قطيفي يدرّس في مدارس القطيف، حيث زرع في نفوس طلابه حب الجمال وروح الإبداع طيلة 33 عامًا من العطاء.

وبعد التقاعد، واصل مسيرته الفنية فأنشأ مرسمًا ومعارض متعددة، أنجز خلالها ما يقارب ألف لوحة بين خط ورسم عُرفت بالدقة والإتقان. كما حوّل قبو منزله إلى متحف شخصي يضم أعماله الفنية ومقتنيات تراثية من القطيف.

وللأدب نصيبه من عطائه، فأصدر كتابه «تراث القطيف في صور وكلمات»، جامعًا بين عبق المكان وجمال الكلمة، ليبقى أثره شاهدًا على إخلاصه للفن والتراث.

القصة: اعتذار صغير… غيّر مسار العمر

سألتُ الأستاذ حسن أحمد السنان أن يروي لي مشهدًا ما زال يلمع في ذاكرته برغم غبار السنين.

غاص في صمتٍ قصير، كمن يفتّش بين صناديق الذاكرة، ثم أشرق محيّاه بابتسامةٍ دافئة وقال:

— ”سأقصّ عليك موقفًا ما زال يطرق أبواب قلبي، ولا يمكن أن يمحوه الزمان.“

يقول الأستاذ:

كان عندنا طالب في الصف الخامس الابتدائي، اجتهدنا في تعليمه، ولكنه رسب في الاختبارات النهائية. في لحظة غضب، اقتحم غرفة المعلمين وبدأ يصرخ ويشتم، محمّلًا معلميه كامل المسؤولية عن رسوبه. وقف المعلمون مذهولين من جرأته وكلماته، ثم فرّ مسرعًا خارج المدرسة.

ركضتُ خلفه بكل ما أملك من قوة حتى أدركته. أمسكت به وقلت له بهدوء:

— ”لماذا فعلت ذلك؟ هؤلاء معلموك، هم الذين يريدون مصلحتك.“

ردّ بانفعال:

— ”أنتم السبب في رسوبي!“

قلت له بلطف:

— ”بل أنت السبب… هل ذاكرت بجد؟ هل بذلت جهدًا كافيًا؟“

أطرق رأسه خجلًا، ثم قال بصوتٍ مكسور:

— ”وماذا أفعل الآن؟“

قلت له:

— ”عليك أن تعود معي وتعتذر للمعلمين، وستجد قلوبهم أوسع مما تتصور.“

ارتبك وقال:

— ”لكنني أخاف أن يضربوني!“

طمأنته:

— ”لن يضربك أحد، فقط كن شجاعًا.“

عاد معي إلى المدرسة، وبحضور الإدارة والمعلمين، وقف ذلك الطفل معتذرًا:

— ”أرجو أن تسامحوني… لقد أخطأت.“

ابتسم المعلمون وقبلوا اعتذاره. عندها التفتُّ إليه وقلت:

— ”الآن عليك أن تجتهد في الدور الثاني، وأنا سأتابعك خطوة بخطوة.“

واصل الطالب جهده، نجح وانتقل إلى الصف السادس، وظللت أتابعه وأشجعه حتى أنهى المرحلة، ثم التحق بشركة أرامكو، وأصبح موظفًا ذا مكانة. وكلما رآني بعد ذلك، تقدّم إليّ يقبّل رأسي ويقول:

— ”جزاك الله خيرًا، أنت من غيّر مسار حياتي.“

درسان من القصة

1. التربية ليست تلقينًا للمعلومة، بل هي إنقاذ للإنسان في لحظة ضعف. قد تكون كلمة صادقة، أو موقف رحيم، هو الجسر الذي يعبر به الطفل من ضياعٍ إلى نجاح. والطلاب لا ينسون من أخذ بأيديهم في لحظة سقوط، بل يذكرونه عمرًا كاملًا بامتنان ودعاء.

2. الغضب لا يُطفأ بالغضب، بل يُطفأ بالحكمة والهدوء. والمربي حين يفتح باب الحوار والرفق، يكتشف الطالب خطأه بنفسه، فيتحول الاعتراف بالخطأ إلى بداية طريق جديد نحو النجاح.

كاتب وأخصائي تغذية- القطيف