آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 12:09 ص

الغموض: يقظة الوجود

نازك الخنيزي

لسنا أبناء يقينٍ مكتمل، بل أبناء سؤال لا ينطفئ.

الحياة لا تمنحنا أجوبة نهائية، بل تدفعنا إلى العيش على الحافة بين الفهم والالتباس، لأن الحقيقة ليست حجرًا يُمسك، بل نهرًا يُعاش. إن السؤال ليس نقصًا، بل طاقة تحفظ الوعي يقظًا أمام ما يتجاوز اللحظة.

الطريق ليس مستقيمًا؛ فكل منعطف أو سقوط أو ضياع ليس خروجًا من المسار، بل نَسجٌ خفيّ له. الضياع ليس خصمًا، بل لغة جديدة للطريق قبل أن نتقن قراءتها.

الثقة بالمسيرة ليست خضوعًا للقدر، بل إدراك أن قوانين الكون تُكتب فينا كما نُكتب فيها. اليد التي تنثر النجوم ليست خارجنا، بل جزء من الوعي الكوني الذي يتجسد بنا. لهذا يصبح الألم أداة تشكيل لا عائقًا: يوسّع القلب ليُفسح مجالًا للنور، ويحوّل الصبر من ثِقلٍ إلى يقظة.

الغموض الذي نخافه ليس فراغًا، بل كثافة لم تُفكّ بعد. وما يبدو عبثًا هو قصور في رؤيتنا لنسقٍ أوسع. الكون لا يعبث؛ إنه يربّينا بالصمت، ويمنح الحقيقة طبقة بعد طبقة، حين نصبح قادرين على حملها.

لسنا كائنات تبحث عن بقاءٍ مؤقت، بل أرواح تمضي نحو اكتمالها. وما نحتاجه ليس أجوبة جاهزة، بل شجاعة الإقامة في السؤال ذاته، لأنه ليس طريقًا إلى الحل، بل هو الحل وقد تجسّد في الرحلة.

إن الغموض ليس مرحلة تُجتاز، بل طبيعة الوجود نفسه.

فالكون لا يكشف لنا كل وجوهه دفعة واحدة، لأنه يتكشف بنا ومعنا.

وما نسمّيه ضياعًا ليس سقوطًا خارج الحقيقة، بل انغماسًا أعمق في رحمها، حيث يصبح الغياب وعدًا بالحضور، ويغدو السؤال هو الجواب وقد اتخذ شكل الرحلة.