ولا يهون النفط «5»: مطلوب نمو القطاع الخاص السعودي 5.5 بالمائة سنوياً حتى العام 2030، كيف؟
كيف كان تأثير إطلاق رؤية السعودية 2030 على مساهمة القطاع الخاص، وكيف كانت الاستجابة؟
عند انطلاق الرؤية، كانت مساهمة القطاع الخاص 40 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي - وفق تقرير رؤية المملكة 2030 للعام 2024- ارتفعت بمعدل نمو سنوي مركب قدره 1.94 بالمائة لتصل إلى 47 بالمائة في العام 2024، وأن ما ينبغي تحقيقه خلال ست سنوات «2025-2030» هو أن تنمو مساهمة القطاع الخاص بما يوازي 18 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للسعودية، بمعنى أن تنمو مساهمة القطاع الخاص بمعدل نمو سنوي مركب قدره 5.5 بالمائة، وأن يضيف القطاع الخاص من حيث القيمة في حدود ترليون ريال فوق مساهمته الحالية، باعتبار أن قيمة الناتج المحلي الإجمالي للسعودية للعام 2024 - بالأسعار الجارية - بلغت 4.7 ترليون ريال وفق تقديرات الهيئة العامة للإحصاء.
السؤال الأول: ما السبيل لمضاعفة وتيرة نمو القطاع الخاص قرابة ثلاثة أضعاف على مدى الأعوام الست القادمة بل وأن تستمر؟ ومن باب التفكر: هل تستطيع المنشآت العملاقة والكبيرة تحقيق ذلك؟ منشآتنا العملاقة العاملة لها ارتباط قوي بالأنشطة النفطية، وهكذا فعلينا التركيز أن عبارة ”تحقيق ذلك“ تعني استيفاء أمرين متكاملين لتحقيق مستهدف ال 65 بالمائة: «1» رفع مساهمة القطاع الخاص و«2» تنويع الأنشطة الاقتصادية. وليس من شك، أنه مساهمة المنشآت العملاقة وفي مقدمتها أرامكو وسابك ولشركة السعودية للكهرباء ارتكازية، مع التركيز والتعمق على عنصر التكامل والترابط «»، والتي - كما سبقت إليها الإشارة في موضع سابق من سلسلة المقالات هذه - أن الشركات العملاقة مثل أرامكو وسابك وشركة الكهرباء أطلقت برامجاً لزيادة المحتوى المحلي وللترابط مع القطاع الخاص من خلال عقود التزويد، ولذلك - دون شك - تأثير إيجابي مهم في سبيل تحقيق المستهدف، كما أن الإنفاق الحكومي يساهم مساهمة جوهرية في ضخ الأموال للقطاع الخاص من خلال عقود التزويد والتي أدى استحداث منصة اعتماد إلى هيكلتها وتنظيمها وإضفاء قدر غير مسبوق من الحوكمة والشفافية والكفاءة في إتاحة الفرصة للمزودين المؤهلين كافة.
السؤال الثاني: هل هذا كاف لتحقيق وتيرة نمو عالية في نشاط القطاع الخاص وصولاً لمستهدف 65 بالمائة في العام 2030؟ ثمة ما يبرر القول إن هناك حاجة لتعزيز التكامل بتقوية الروابط الأمامية والخلفية بين المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتلك العملاقة والكبيرة، إذ أن بناء تلك الروابط «الأمامية؛ أن توفر المنشآت الصغيرة مدخلات متخصصة للمنشآت الأكبر، والخلفية أن تأخذ المنشآت الصغيرة مدخلات إنتاجها من المنشآت الأكبر» سيؤدي إلى مَدّ جسور بين المنشآت الصغيرة والمتوسطة وينابيع النمو؛ وهي سلاسل القيمة المحلية والعالمية بما يعزز إنتاجية المنشآت الأصغر عبر نقل التقنية وكفاءتها في استخدام الموارد بما في ذلك رفع مهارات العاملين، وذلك من خلال تمكين المنشآت الصغيرة من تجاوز تحديات هيكلية مثل اقتصادات الحجم والنوع والوصول للأسواق بما يؤدي إلى مضاعفة قدرة المنشآت الأصغر على التوظيف والتمويل والتصدير والاحلال محل الواردات تنافسياً. والأمثلة على الأهمية الحرجة لتلك الروابط في مضاعفة مساهمة المنشآت الأصغر في الناتج المحلي الإجمالي بوتائر متصاعدة، ومنها قصص نجاح معروفة تقليدياً في ماليزيا ومؤخراً «في الألفية» في فيتنام، الذي ساعد قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة من أن تتمكن فيتنام من تحقيق نمو معدله فوق 7 بالمائة للعقد الأول من الألفية ما ساهم في انطلاقة اقتصاد فيتنام. وبدون بناء روابط أمامية وخلفية متينة، تبقى مساهمة المنشآت الأصغر محاصرة في نطاق محدود لا تغادره.
وعملياً، يتطلب بناء تلك الروابط الأمامية والخلفية مبادرات على مستوى كل نشاط اقتصادي تفصيلي؛ فمثلاً تحديد الروابط الأمامية والخلفية لنشاط الدواجن، أو التمور، أو السياحة الريفية، أو صناعة القوالب البلاستيكية؟ وسنجد أن لكل نشاط تفصيلي سلسلة قيمة متشعبة يمكن جلب المنشآت الصغيرة والمتوسطة لها لتجلب بدورها مزيد قيمة للاقتصاد الوطني، وعلى النقيض ستجد أن ثمة منشآت كبيرة قد اضطرت أو اختارت أن تستأثر بكل حلقات سلسلة القيمة، رغم أن التحليل الاقتصادي يقول إن تكاتف منشآت متخصصة في الإنتاج يجلب قيمة أعلى للاقتصاد ويمنع الاحتكار ويعزز مرونة النشاط حتى لا يعتمد على منتج واحد يتحكم بمفاصل السلسلة كافة. وإطلاق مبادرة لهيكلة سلاسل القيمة لكل نشاط هو جهدٌ مضن لا شك، لكنه ضروري لتنبجس القيمة المضافة من مكامنها في المنشآت الأصغر. وبالنظر لأهمية هذا الجهد فقد أخذت العديد من الدول بهذا الجهد منها ماليزيا وسنغافورة وتايلند وفيتنام على سبيل المثال لا الحصر.
ختاماً، أتطلع أن تُفرِدّ الهيئة العامة للإحصاء إحصائية ربعيةً تبين مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، بما يُيَسر تتبع تحقيق مستهدف رؤية المملكة 2030 في أن تصل مساهمتهُ إلى 65 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، ضمن الإحصاءات السريعة «flash» التي تصدرها بوتيرة ربعية عن تقديرات الناتج المحلي الإجمالي ومكوناته. والمبرر لذلك أن تحقيق هذا المستهدف «أن تصل مساهمة القطاع الخاص إلى 65 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي» هو مستهدف محوري ضمن مستهدفات الرؤية، إذ له دلالة على أن الاقتصاد السعودي يأخذ طريقه في التنوع وليس أحادي المورد. فضلاً عن أن مؤشر ”مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي“ هو أكثرُ تحديداً من مؤشر ”مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي“، إذ أن عبارة ”الأنشطة غير النفطية“ - بداهةً - تشمل الأنشطة الاقتصادية كافة ما عدا تلك النفطية.