العاطفة والشعور صعودًا وهبوطًا
العاطفة هي نزعة إنسانية المنشأ قلبًا وقالبًا، تتجسد في المشاعر والأحاسيس عندما يمر علينا حدثٌ ما يهيج الوجدان والقلوب، كفقد حبيب أو عزيز، ليترجم ذلك ظاهريًا في انفعالات من الصراخ والعويل وتساقط الدموع بغزارة من دون شعور، هي حالة طبيعية وكردة فعل لما يمر به أيٌّ منا من مؤثرات نتيجة حدث معين أوجد صدمة لم يستطع الطرف المصاب تقبل نتائجها والتعامل معها، وهذه من الأمور الغرائزية عند بني البشر. لكن المثير للاهتمام هو أن تتجسّم وتشترك هذه الانفعالات من العطف والرحمة عند البشر مع الحيوانات بشكل يدعو إلى الشفقة والتعاطف المصحوب بالدهشة والغرابة، فقد شاهدت على مواقع التواصل الاجتماعي مشهدًا مثيرًا يحتم علينا أن نتفاعل معه وجدانيًا وإحساسًا، وهو أني شاهدت عجلًا صغيرًا رأى رأس أمه مقطوعًا ومعلّقًا للبيع، فإذا بذلك العجل الصغير يمتطي برجليه تلك المنضدة ليضم رأسه برأس أمه المعلق والدموع تتساقط على وجنتيه، يا له من منظر يثير الشفقة، يترك أثرًا بالغًا في النفس والوجدان من حيوان لا عقل له، أصمّ أبكم، ولكنها الأمومة الطاغية في إدراكه ومشاعره، صفة متأصلة في كل مخلوقات الله سبحانه وتعالى.
بينما واقعنا اليوم وللأسف الشديد يعج بعديمي الشعور والاهتمام، خاصة عند فقد أعزاء لنا وكأن قلوبهم من حجر، لا رحمة فيها ولا تفاعل ولا إحساس، حتى ولو كان المتوفى من أقرب الناس إليهم، لأن حياتنا المعاصرة أوجدت شروخًا كثيرة في العلاقة والطباع والمعاشرة، وأصبح الجفاف العاطفي مستشريًا، بل شبه معدوم عند بعض الأنفس التي طغت عليهم المدنية الصاخبة. هذا من جانب، ومن جانب آخر، لكثرة ما يشاهده البعض منا على وسائل التواصل من مناظر مؤسفة ومزعجة صوّرت لنا مشاهد الموت وكأنه حالة عادية انعدمت فيها التأثيرات والتعاطف النفسي، وغرست فينا شرخًا من اللاشعور الإنساني الذي لا نحرك فيه ساكنًا أو ردة فعل، بل الغالب على حياتنا المعاصرة اللامبالاة في الحس الوجداني والضمير البشري.
وقد نبهنا القرآن الكريم من هذه الحالة حيث قال تعالى:
﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ [البقرة -74]
أو كما قال الإمام علي : «أحي قلبك بالموعظة، وأذلله بذكر الموت، وبصّره فجائع الدنيا، وحذّره صولة الدهر، وفحش تقلّب الليالي والأيام».
هذه محاذير لنا نستنير بها في حياتنا لنأخذ منها النصيحة والموعظة كدروس تعلمنا كيفية التعامل مع التجارب التي نصادفها في واقعنا المعاش، والله من وراء القصد.