الكذب ضياع هوية
ورد عن الإمام العسكري : «جُعِلَتِ الْخَبَائِثُ فِي بَيْتٍ، وَجُعِلَ مِفْتَاحُهُ الْكَذِبَ» [نزهة الناظر وتنبيه الخاطر ص 145 ].
يجد البعض في أسلوب المراوغة والخداع وكل ألوان إخفاء الحقيقة أسلوبا وطريقة جيدة في إدارة أموره وعلاقاته بعيدا عن المواجهة أو المناكفة أو غيرها من المبررات الواهية، دون إدراك الأضرار الفادحة على المستوى الفردي أو الاجتماعية لرذيلة الكذب وما تسببه من تأثيرات سلبية، فالفرد إذا اتصف بالكذب في المواقف المختلفة واستمرّ في التعامل به انعكس ذلك على شخصيته بالضعف وفقدان جسور الثقة، فالتأثير الكبير للكذب على الشخصية ليس بمستوى الخسائر والأضرار بل يتطوّر إلى إحداث تشوّه في هوية ونفسية الفرد، فالكذب وسيلة للنجاة - كما يظن توهما - ولكنه في الحقيقة سار في طريق الشوك والريبة والفتن، فالكذّاب من الناحية النفسية تساوره الهواجس والقلق من انكشاف أمره في كل مرة، كما أنه لا يثق بالآخرين في كلامهم أو أفعالهم ويعيش في عزلة وبؤرة ضيقة لاعتقاده أن الآخرين مثله لا يمكنهم أن يقولوا الحقيقة!!
كما أن العلاقات الاجتماعية تشهد توترا وخلافات لا تنتهي وتختفي مع الأيام مظلة الاحترام والتفاعل الإيجابي، ويتحوّل المشهد المجتمعي إلى عداوات وخلافات وصراعات وظنون سيئة بالآخر وافتراض الشر والعدوانية فيه.
وهذه التحفة السنية تدعو إلى فهم حقيقة الكذب والتداعيات المستتبعة له على المستوى الأخلاقي والاجتماعي، وإذا ما تصوّرنا الرذائل الأخلاقية كأمر غير مرغوب فيه فإنه يتمثل بصندوق الخبائث التي تنبعث منها رائحة الشرور والأضرار الفادحة متى ما فُتح ذلك الصندوق، ومفتاح ذلك الصندوق هو الكذب وكل ألوان الخداع التي تستدعي الممارسة الشيطانية والدخول في نفق الزيف والمشاكل الناجمة عنه، فالكذب ما هو إلا بداية خيط الشرور وظلم النفس والآخرين ويستتبعه الموبقات والمعايب الأخرى كالغيبة والنميمة وهتك خصوصيات الآخرين وأعراضهم.
فالكذب يعني انهيار منظومة القيم التربوية والأخلاقية عند الفرد واتجاهه نحو مبدأ الانتهازية والأساليب التمويهية للحقيقة بداعي الحفاظ على مصالحه الخاصة وإن أضرّت بالآخرين وآذتهم، وكفى به ضررا أن يضيّع الفرد نفسه في متاهة الأكاذيب ويحدث حالة من التشوه في الجانب الفكري والعاطفي عنده فيشعر بحالة من الفوضى والضياع، فالتعبير عن بيت الكذب بالخبائث أي أنه يصبح مصدرا لحالة عدم الاستقرار وفقدان الأمان على المستوى الفردي والاجتماعي.
ومواجهة أسلوب الكذب يبدأ من تربية النشء على أهمية التعامل بالصدق والوضوح والتحذير من عواقب الكذب وتداعياته، كما أن أسلوب القدوة الذي يقدمه الوالدان وأفراد الأسرة وفي المحيط المدرسي يساعد الفرد على التعامل بمصداقية وتجنب أساليب المراوغة والكذب.