كشف التدليس «1»
كنت وما زلت أحب سماع الطرائف وصوت الضحك منذ نعومة أظافري وإلى الآن. وأسعى أن أحرز أجواء مليئة بالحيوية والبشاشة والأحاديث المثرية والنشاط من حولي. شاء الله سبحانه وتعالى وله الحمد على ذلك أن أولد في أقاليم غنية بالثروة النفطية حيث امتدت لها أعناق كل الطامعين، تارة بقصد افتعال الحروب وتارة بعنوان افتعال الفتن وتارة بعنوان …. وتارة بعنوان …. وتلكم الأمور جعلت البعض من مواطني بلداننا في توتر مستمر، والبعض الآخر تم برمجته أيديولوجيا، والبعض الآخر منعدم الضمير وأضحى تاجر فيز استقدام، والبعض الآخر محب للطرب والوناسة وبانكوك، والبعض تاجر عواطف مخادع، والبعض رابط الجأش وناصح أمين ومحفز، والبعض منغمس في شهواته وسهراته حد البذخ والتفريط و.. و… إلخ.
الدورات الاقتصادية صعودًا أو هبوطًا في أي بقعة من العالم تكشف حقائق سلوكية للمجاميع البشرية، وهنا سأُسلّط الضوء على مفردة التدليس.
يبدو أن مصاديق نظرية اقتصادية «أحمر الشفاه» مفادها أن كمية مساحيق التجميل تزداد مبيعًا وقت الركود الاقتصادي التي أطلقتها إستي لودر، نظرية لها مصداق كبير وإن كان الرابط في الوهلة الأولى عجيبًا نسبيًا.
نظرية ”أحمر الشفاه“ لا ترتبط مباشرة بالكساد الاقتصادي، بل هي مؤشر اقتصادي يُشير إلى أن مبيعات السلع الفاخرة الرخيصة جدًا «مثل أحمر الشفاه» قد تزيد خلال فترات الركود الاقتصادي، لأن المستهلكات يستبدلن المشتريات الأكثر تكلفة بشراء منتجات فاخرة قليلة الثمن يسهل عليهن تكبد سعرها ويشبِعن ذواتهن وغرورهن. هذه الظاهرة سُميت بهذا الاسم بعد أن لاحظ رئيس مجلس إدارة شركة لودر زيادة في مبيعات أحمر الشفاه خلال فترة الركود التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر 2001.
شخصيًا أظن أن عند وقوع حالة الركود الاقتصادي في بقعة ما من العالم يسوغ بعض النساء لأنفسهن زيادة استخدام الروج والمكياج والعطور والتبرج والتفنن في الإغواء لاصطياد رجل لديه ملاءة اقتصادية بقصد الزواج أو بمقاصد أخرى مريبة لضمان تدفق نقدي وضمان توفر طعام ومسكن وحماية لهن. وهذا رأيي الشخصي وقد أكون مخطئًا أو مصيبًا! قد يقول أحدهم وقت الحروب أولى بذلك ونسي أن أوقات الحروب التركيز ينصب على ادخار الأطعمة وإنقاذ النفس لذاتها.
وهذا الأمر أي ”أحمر الشفاه“ قد يصنفه البعض بأنه غش وتدليس، والبعض الآخر يصنفه بأنه عرض وطلب، وآخرون يصنفونه بأنه سلوك طبيعي من أجل التكاثر وإشباع غرائز فطرية وإن اختلفت الأدوات!
1- بعض الرجال يقوم بتأجير سيارة فاخرة ولبس ملابس مبالغ في كشختها وتعطير نفسه بكمية عطر ملفتة ولبس ساعة ذات ماركة عالمية وحمل جوال آخر إصدار وبعد إذ ارتياد أماكن مميزة مثل كوفيات مرموقة أو مطاعم مصنفة أو صالات انتظار فنادق خمسة نجوم أو أندية أدبية حيث يكثر تردد البنات الموظفات وبنات الأثرياء والجميلات الفاتنات ليجذب أنظارهن ويحظى بالتعرف على بعضهن وكسر جبل الجليد بمن يريد أن يراودها عن نفسها. وكذلك يكون الحال بالعكس صحيح بالنسبة لبعض الفتيات المتغنجات والصيادات للرجال في الأماكن العامة. وصدرت كتب عدة سلطت الضوء على أولئك النوع من الرجال / النساء أو أشباههم «بيتا» تحت عناوين الإغواء والإغراء. فاحذر وحذّر وزد مساحة الوعي في محيطك.
2- ينتحل ويتقمص بعض المنحرفين / المنحرفات شخصية فتى صغير / فتاة صغيرة في العالم الافتراضي ويدخلون منصات عالم الألعاب الرقمية لينصبوا فِخاخًا متعددة للفتيان الأبرياء والفتيات الصغار. وهناك عدة قصص وجرائم واقعية هزت الضمير البشري من بشاعة هكذا استدراجات وغش وتدليس وابتزاز. ولعل المتابع للوثائقيات المتعلقة بجرائم السايبر قد شاهد كمًّا وافرًا من هكذا محتوى تحذيري. والله المستعان على ما يفعل المجرمون. فاحذر وحذّر وزد مساحة الوعي في محيطك.
3- كثرة العَيّارة والنصابين والمحتالين في عالم التجارة.
في أوقات طفرة أو شح السيولة المالية، فإن بعض النفوس الشريرة تتبع أساليب مخادعة عدة للاستحواذ على أموال الناس بالباطل. في هذا الزمن، العَيّارة والنصابون يفتحون سجلًا تجاريًا ويطبعون منشورات دعائية ويرشون بعض الأفواه من ذوي النفوس الضعيفة ويعقدون ولائم في فنادق أو مطاعم فاخرة ويجيدون التحدث لإقناع الناس بأفكارهم الاستثمارية المستقبلية ويوزعون هدايا وينشرون أخبارًا هنا أو هناك عن تبرعاتهم لجمعية خيرية ما عبر بعض منصات السوشيال ميديا. كل ذلك الصنيع الدعائي لخلق انطباع عن مصداقيتهم ونجاحهم ونموهم الوهمي لتضليل البسطاء.
وبعد ذلك يفتح أولئك النصابون محفظة استثمارية في نشاط تجاري/عقاري/زراعي/معادن نفيسة/مشروع استيراد ما ويوجهون دعوات خاصة مغلقة للضحايا المستهدفين بعد استدراجهم عاطفيًا، أيديولوجيًا، نفسيًا، أو حتى بعنوان الصداقة/ أبناء الوطن الواحد. وبعد استحصال النصاب للأموال من أولئك الضحايا: إما أن يغيب عن الأنظار، أو يبدل جلده ويكشّر عن أنيابه لمن يطالبه بأمواله ولو بعد حين، أو يماطل في ردوده، أو يتلاعب بالقوائم المالية ليستحصل على أكبر قدر من أموال المستثمرين، أو يعلن الإفلاس بعد حين. وإن أفلس استثماره فإنه سيقول للضحايا: ”التجارة ربح وخسارة“ ويغفل حقائق أن التجارة شطارة وليست عيّارة، وأن التجارة يمكن فيها وقف نزيف الخسارة «Stop Loss»، وأن التجارة فن والتزام وصدق ووفاء وأخلاق وليست عيّارة وتحايل؛ وإن كان ذاك المدعي لا يجيد فنون التجارة فلا يمتطيها ولا يهدر مدخرات أبناء مجتمعه.
مع شديد الأسف هناك أبناء عوائل محترمة هتكوا رصيد الثقة الاجتماعية لأسرهم واستغلوا البسطاء السذّج من أبناء مجتمعهم وأحلّوا أموال الناس دون أي رادع من ضمير أو أخلاق أو دين. وأكاد أن أجزم أن عمل أولئك النصابين من داخل المجتمع هدم بناء اجتماعي مستقر بسبب جشعهم، وأهدر ثقة بُنيت عبر تراكم السنين والأجيال. فاحذر وحذّر وزد مساحة الوعي في محيطك.
1- يغش البعض في سلعة الزعفران عبر استخدام شعر كوز الذرة وتقطيعه وصبغه بنفس لون الزعفران.
2- يغش البعض في سلعة الهيل عبر تلوين القديم الباهت برذاذ صبغ لون أخضر ليجعله هيلًا يسر الناظرين.
3- يغش البعض في سلعة العدس عبر رشه القديم منه بزيت طعام وخلطه جيدًا ليأخذ لونًا أحمر لامعًا وجذابًا.
4- هناك ألوان متعددة للغش والتدليس وأنصح القارئ بالاطلاع عليها ليحصن نفسه من أن يكون ضحية لأحدهم. يمكن للقارئ كتابة النص التالي: ”أورد لي طرق الاحتيال في «الحبوب والبقوليات» / «قطع غيار السيارات» / «الملابس والأقمشة» ….“ في مواقع الشات جي بي تي / ديب سيك / تيك توك.
ومثال ذلك يورد الشات جي بي تي التالي «أورد الجواب مجتزأ وباختصار»:
أ - الغش في الوزن
• إضافة مواد غريبة مثل الرمال، الحصى الصغيرة، الطين، قشور البذور.
• الترطيب الصناعي: رش الحبوب أو البقوليات بالماء لزيادة الوزن.
ب - الغش في الجودة
• خلط الجيد بالرديء: مزج الحبوب أو البقوليات عالية الجودة مع أخرى تالفة أو منخفضة الجودة.
• خلط الأنواع: مثل خلط العدس الأخضر بالعدس الأحمر أو مزج الفاصوليا الجيدة بالقديمة.
• استخدام الحبوب المنتهية أو المصابة بالحشرات بعد تنظيفها سطحيًا.
شخصيًا أُهيب برجال البلدية الميدانيين في مملكتنا الحبيبة وأشكرهم. فبتوثيقهم ونشرهم للمداهمات التي يداهمون فيها أوكار الغشاشين والمدلّسين للسلع الغذائية، اتضح للجميع نعمة الأمن الغذائي من جهة وأهمية منع المزايدة على حساب صحة الناس. والواقع أن التشهير بالمدلسين وتشنيع أعمالهم أتى وسيأتي بثماره ولله الحمد، وحتمًا سيردع من يرتدع.
في الإعلام، حدث ولا حرج، ولعل شعار وزير إعلام ألمانيا في الحرب العالمية الثانية: ”اكذب.. اكذب.. حتى تُصدَّق“ هو ترجمان واقعي لبعض الأبواق الإعلامية التي تغسل أدمغة الكثير من الناس. بل إن بعض الأبواق تزور المعلومات وتدس السم بالعسل وترمي المغفلين المضللين المشوّهين إلى التهلكة.
وللمؤمنين بكتاب الله المجيد نتدارس وإياهم معاني ومحتوى ومضامين الآيتين:
• ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ [النساء: 46]
• ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: 7]
وعليه وجب على كل إنسان فلترة وتنقيح وتنقية وتمحيص ما يراه ويسمعه ويُنقل إليه قبل فوات الأوان أو الاشتراك مع المدلّسين في انتهاكهم لحقوق الآخرين، فإن:
• ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر: 38]
أكتفي بهذا القدر وإلى الحلقة القادمة بإذن الله.
أعزائي لنتذكر سويًا: من لا يقرأ ما ينفعه كل الوقت، سيقع فيما لا يريده عند فوات الوقت. وعندما تقرأ وتفهم ما تقرأ فمن الواجب الأخلاقي أن تحذر وتُحذّر، وبذلك تزيد مساحة الوعي في محيطك ويكون الاستقرار أكبر، والاحتقان مضمحلًا، والتعاضد والثقة صفة سائدة. أنصح أي مجتمع أن يؤهل قادته من أبنائه ليحرز أكبر قدر من الحماية لجسمه ويقف جسمًا منيعًا ضد أي مدلس ومستعلٍ وعيّار.