آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

لابُك بالعرس، لابُك توابعه

ياسر بوصالح

كنتُ أظن أن قاعدة ”الإذن بالشيء إذنٌ في لوازمه“ [1]  حبيسة كتب الفقه وأروقة الحوزات، لا يتداولها إلا أهل الاختصاص. لكنني أدركت لاحقًا أنها قاعدة حاضرة في تفاصيل حياتنا اليومية، وإن لم تُسمَّ باسمها.

فمن يأذن بدخول بيته، يكون قد أذن ضمنًا بما يستلزمه ذلك الدخول: الجلوس في المجلس، استخدام المرافق، وربما تناول القهوة دون استئذان مستقل لكل تفصيل. هذه ممارسة فطرية قبل أن يسطّرها الفقهاء في كتبهم.

وليس غريبًا أن نجد القاعدة نفسها في وجداننا الشعبي. يقول المثل: ”لابُك بالعرس، لابُك توابعه“، أي أن الإذن بالمناسبة الكبرى يستلزم الإذن بتفاصيلها: من الخطبة إلى المهر، ومن الزفاف إلى ما بعده. ويؤكده مثل آخر: ”العرس حق اثنين، والجنون لألفين“، في إشارة إلى أن الظاهر لا ينفصل عن توابعه الخفية.

بل إن الأطفال يرددون هذه القاعدة ببراءة في أهزوجة تتسلسل رمزيًا:

حمامة نودي نودي
سلمي على سعودي

سعودي راح مكة
يجيب ثوب العكة

ويحطه في صندوقي
صندوقي ما له مفتاح

والمفتاح عند النجار
والنجار يبي فلوس

والفلوس عند العروس
والعروس تبي عيال

والعيال يبون حليب
والحليب عند البقر

والبقر يبيون حشيش
والحشيش فوق الجبل

والجبل يبي مطر
والمطر عند الله

تتابع الأهازيج هنا يعكس الفكرة نفسها: إذنٌ واحد يفتح بابًا من اللوازم المترابطة، كحبّات الدومينو التي تتساقط تباعًا.

وفي تراث أهل البيت ، نجد صدى لهذا المنطق في قول أمير المؤمنين علي «من كثر كلامه كثر خطاؤه، ومن كثر خطاؤه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار.» [2] 

إنه مسار متسلسل، تبدأ خطورته من كلمة مأذون بها دون فلترة عقلية، فتجرّ وراءها سلسلة من اللوازم لا تنفصل عنها. وهنا يحضر ما أشرتُ إليه في مقالي السابق ”من هو شرطي المرور الحقيقي؟“ [3] ، حيث شبّهتُ العقل بشرطي المرور الذي ينظّم تدفق الأفكار قبل أن تُقال، ويُفلتر الكلام قبل أن يُسمع.

وهكذا نكتشف أن هذه القاعدة ليست مجرد نظرية فقهية، بل منطق حياتي متجذّر، يُمارَس قبل أن يُدرَّس، ويُغنّى قبل أن يُدوَّن.

[1]  كتاب مائة قاعدة فقهية السيد محمد كاظم المصطفوي، حيث خصّص لها شرحًا مفصلًا في الصفحات 31-34

[2]  نهج البلاغة - خطب الإمام علي - ج 4 - الصفحة 81

[3]  https://www.jehat.net/?act=artc&id=112419