آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

من يصوغ خياراتنا السياحية؟

المهندس أمير الصالح *

من يحدد اختيارك لوجهتك السياحية لقضاء الإجازة العائلية أو الفردية؟

لطفًا اختر واحدًا أو أكثر من الاحتمالات التالية:

1 - قدرتك المالية

2 - الترند الصاعد للجهات السياحية المروَّج لها من قبل اليوتيوبر / التيك توكر / المكاتب المحلية

3 - انتقاؤك وتفضيلاتك بناءً على قراءتك الشخصية ومعاييرك دون الالتفات لآراء الآخرين

4 - التأثر بكلام وتوصيات الأصدقاء والأقارب وأبناءَ المجتمع المحيطين بك

5 - الكسل التام يجعلك تعتمد الاعتماد التام على ترتيبات القوافل السياحية الموجودة بمحيطك

6 - اختيار الوجهة بناءً على حالة الطقس والوقت المتاح للإجازة

7 - تفضيل السفر إلى دول الإعفاء من الفيزا

8 - وضعك الصحي أو النفسي

9 - أمور أخرى

كثير من الناس يرفع شعار أو يردد شعار ”استمتع بالرحلة“، ولكن القليل منهم يبذل الجهد لقراءة معالم الدول التي يريد أن يقضي إجازته فيها أو برنامج الرحلة وخارطة الطريق فيها وتحسين جودة حياته. وعليه يعتقد البعض أن النكسات والنكبات التي تقع عليه خلال الرحلة الترفيهية للدول السياحية يجب أن يتقبلها بصدر رحب على أنها جزء من متعة الرحلة!! ويستثقل ويزهد في القراءة المسبقة عن معالم الأماكن التي سيزورها وبرامج الرحلة وجدولها وأهمية المعالم، فتراه طوال الرحلة يطرح أسئلة مكررة ومذكورة في برنامج الرحلة أو ناعسًا أو يفكر بالأكل أو يذهب من مجمع تجاري لآخر أو من كوفي شوب إلى كوفي شوب آخر!! فيكون الآخرون عنه انطباعًا غير جيد أو ينفر منه الآخرون لكثرة أسئلته الساذجة أو لإرغامه الآخرين بإدراج فقرات التسوق المملة والتنقل للمطاعم المتعددة إشباعًا لرغباته الفردية. الثقافة المحلية للسواح لا يوجد إلا القلة ممن يقومون بتدوين اليوميات في الرحلات واستنطاق الدروس المستفادة من التجارب ومشاركتها مع المجتمع وأبناء الوطن والنظر في تحسين البرامج وقطف المعرفة وتوسيع المدارك واستلهام التجارب. شاهدت شخصيًا كمية كبيرة من استغلال بعض أصحاب القنوات والتيك توكر واليوتيوبر لهذه الفجوة بزج معلومات فضفاضة وسخيفة وسطحية وبعضها مغلوطة بطابع ترويجي وتسويقي لجذب أكبر عدد من الناس نحو سلع استهلاكية ومحطات سياحية بالية أو مولات تجارية متخمة ومحطات سياحية ذات إضافة هامشية وحقائق مضخمة.

حديثًا خضت تجربة سفر والتقطت عدة صور بعيني ووجدت أن أنقل بعضها بصورة محايدة وموضوعية دون أي إنقاص أو تحامل أو تفخيم أو تضليل.

دولة البوسنة والهرسك جغرافيًا تقع في أوروبا الخضراء وهي بحق حديقة خضراء غنّاء بتضاريس طبيعية جميلة وأنهار عديدة وشلالات كثيرة وجبال متعددة ووديان كثيرة وإطلالات رائعة، إلا أنه ونتيجة للحروب الأهلية الطويلة وعدم إدراج البوسنة ضمن نسيج الاتحاد الأوروبي، فإن البلاد ما زالت تحتاج لسنوات عدة لبلوغ مستوى سياحي جاذب بخدمات وبنية عمرانية تنافسية لمحطات سياحية عالمية أخرى.

لقطة 1: بيهاتش البوسنية وشلال Una

تتميز مدينة بيهاتش Biha? الصغيرة بمفردة الشلال Una والمحاذي للحدود مع دولة كرواتيا. شلال Una جميل، عرضه 40 مترًا وارتفاعه 25 مترًا. وتمارس رياضة rafting في مساره النهري المتعرج والجميل والحدودي مع كرواتيا. شلال Una مقارنة بشلال نياجارا Niagara الواقع بين دولتي أمريكا وكندا وشلال إيغواسو Iguazu الواقع بين دولة البرازيل والأرجنتين، يعتبر شلالًا داخل منزل لا أكثر.

إلا أن ذلك لا يقلل من جمال ورونق شلال Una بمدينة بيهاتش البوسنية. وفي نظر شركات السياحة يُروَّج له أنه أمر يستحق العناء والقيادة له برًا من سراييفو بمتوسط زمني يلامس ست ساعات ونصف للوصول له والمبيت بوسط المدينة ليلة أو ليلتين أو أكثر. وأعتقد أن على مكاتب السياحة المحلية إعادة التفكير في تلك المحطة إذا كان السياح كبار السن أو صغار السن أو غير مهتمين برياضة المشي بالجبال hiking والطَّفو بمياه النهر rafting أو ركوب الدراجة الهوائية cycling في الهواء الطلق. ليس من العدل أخذ كبار السن لمدة ست ساعات ونصف الساعة بالباص لمشاهدة الشلال لمدة ساعة ثم الاستلقاء بالفندق والرجوع أفولًا لسراييفو وذات المدة الزمنية. هل يُعقل 13 ساعة تنقل من أجل نصف ساعة مشاهدة!!

لقطة 2: مواقع الفنادق عامل مهم

تفتقر مدينة بيهاتش للفنادق ذات النجوم الخمسة. وعند إقامة بعض السياح الخليجيين في فندق Safir ذو النجوم الأربعة بالقرب من محطة القطار المهجورة بمدينة بيهاتش البوسنية والواقع في ذات الوقت بالمنطقة الصناعية شبه المهجورة، يتراءى لك وأنت ترى بعض السياح وهم يسيرون من الفندق نحو مركز المدينة مشيًا على الأقدام أن الكلاب الضالة المتناثرة تتمشى بمحاذاة خط سير السائح الخليجي، فينتابك كمشاهد للمنظر شعور رثاء لأولئك السياح الخليجيين الذين أتوا من أوطانهم حيث العز والإضاءة التامة للشوارع وانعدام وجود كلاب ضالة أو أي مصدر خطر وجودة الحياة، وهم في ذاك المكان يمشون في نطاق كلاب مشردة تحمل أمراضًا أو جائعة. الكلاب المشردة تراها متناثرة أيضًا أمام المقاهي ومداخل المطاعم والطرق والأزقة ومداخل بعض البيوت في وسط وقلب مدينة بيهاتش البوسنية!!! وهذه اللقطة تستحضر في أذهان السياح لقطات أخرى تحمل ذات المشهد في بعض أحياء القاهرة المصرية ومنطقة أوبود Ubud في جزيرة بالي الإندونيسية وبعض شوارع أحياء مدينة هيوستن ومدينة سان فرانسيسكو وبعض المناطق الصناعية المهجورة المجاورة لِبعض المدن العربية والأجنبية. وأمر محيّر أن لا تتحرك البلدية في تلك المدن للتخلص من الكلاب الضالة وحماية المارة والسياح والزوار.

لقطة 3: اعتقادات وممارسات

مطاعم وخدمات الطرق في البوسنة بشكل عام متوسطة ومقبولة وقليل منها مميز بحق وجدارة. إلا أنك كسائح خليجي مهذب «هناك سواح خليجيون قليلو الأدب وطويلو اللسان ومزعجون ومغرورون ومتكبرون ونسونجية أساؤوا لأنفسهم وبلدانهم» تلاحظ أنماط سلوك متعددة من موظفي الضيافة والنوادل والمحاسبين وأصحاب التكاسي في تلك المحطات. فاعمل الناس بما تحب أن يعاملوك، وتجنب صاحب الأخلاق السيئة ومن يحمل كرهًا للسواح.

لقطة 4: مساجد وكنائس

في البوسنة، ونقلًا عن مرشد سياحي معتمد، قال بأنه يوجد قبل الحرب ألف ومائة مسجد وبعد الحرب غير معلوم بدقة عددها. وقال المرشد السياحي إن هناك ما يقارب 1000 مسجد بعضها متضرر وبعضها دُمّر بالحرب، وهناك حوالي 1200 كنيسة كما هو أورد. والواقع لم أتمكن من الاطمئنان لتلك المعلومات لوجود تضارب بها مع الوارد في محرك البحث جوجل. عندما تتجول في شوارع سراييفو بالمنطقة المركزية التجارية والتاريخية الرئيسية مثل شارع Banka وشارع Posta تكاد لا ترى إلا وميضًا من أثر مخرجات تلك المساجد والكنائس في فترة ذروة السياحة الصيفية! المؤسف حقًا أن بلاء انعدام ترجمة صادقة بين المعتقد الأخلاقي لأتباع الديانات والممارسة في الواقع لأتباع الديانات الأكبر: الإسلام والمسيحية، آخذة في الانتشار ليس فقط في سراييفو البوسنة والهرسك، ولكن أيضًا في معظم الدول حول العالم كالبرازيل والمغرب وبريطانيا وإسبانيا وفرنسا والفلبين ودول أخرى.

لقطة 5: الأسعار في البوسنة

الأسعار غير منضبطة وسقفها مخترق من قبل بعض المطاعم والبوفيهات والمخابز وتتراوح في جودة الأصناف، وعدم التفات قطاع عريض من أصحاب الفنادق والمنتجعات والمطاعم لأهمية رضا الزبون السائح لكي يعود مرة أخرى، والمعاملات المتذبذبة بين الغلظة والابتسامة، أمور تستدعي التدارس. أَسرد موقفًا للمطالعة:

طرحتُ سؤالًا على موظفة الاستقبال بفندق Safir بمدينة بيهاتش عن سر تذبذب التعاملات في الأسواق والمطاعم مع السواح الأجانب لا سيما الخليجيين العرب. فردت بالقول: نحن في الفندق نتقابل مع أصناف مختلفة من السياح الأجانب، منهم الطيب ومنهم الرديء ومنهم المغفل ومنهم الهمجي. والبائع الجشع يوظف ذلك كله لصالحه. ولذا هناك من يستغل كلمة ”لحم حلال“ منذ تدفق السياح الخليجيين للبلاد.

لقطة 6: اقرأ!

صدق المعلق الإعلامي المثقف الراحل حمدي قنديل عندما قال: أمة اقرأ لا تقرأ… أمة محمد أضحت أمة ”مهند“. ينصدم السائح الموسوعي بكمية الفقر المعلوماتي لقطاع عريض من السياح العرب عند زيارتهم لمكان سياحي ما. فتسمع سيلًا كبيرًا من الأسئلة للمرشد السياحي الأجنبي عن معالم البلد الذي يزورونه؛ وفرّطوا بجانب كبير من التعليم الذاتي والتحضير المبكر لحصد أكبر مردود من الريال «الدولار/اليورو» الذي ينفقونه للسياحة في زيادة الوعي وقراءة تجارب الأمم وتطبيق الآية الكريمة:

﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ [النمل: 69]

﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ [العنكبوت: 20]

﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ [الروم: 42]

ختامًا

قبل اختيار وجهة إجازتك حدد ما تريده أنت وابذل الجهد لتذليل المصاعب وتحضير المتطلبات من فيز أو حجوزات بشكل مبكر وأشبع قراءتك وتصفحك لمقاطع وثائقية عن البلاد التي تود أن تزورها وأشبع أكبر قدر من ذوقك وراحتك وانسجامك وكرامتك واستجمامك. لا تكن كالقطيع في اختيارك لمحطة إعادة شحن روحك ونفسك وعقلك. قال النبي ﷺ: ”إنَّ لِنَفْسِكَ عليكَ حقًّا“ [الحديث]. المكاتب التجارية كل فترة تسوّق محطات وهذا مصدر رزقهم، وعليك أن تتمحّص الأمور بدقة قبل اختيار محطة إجازتك الداخلية أو الخارجية بشكل منفرد أو مع مجموعة سياحية.

ملحوظة:

1 - قبل أن تحجز كفرد أو كمجموعة لأي فندق في موقع، لا تجعل السعر أو صور الفندق الداخلية هي المعيار الأوحد والوحيد في عمل حجوزاتك. لطفًا ضع ميزان الخدمات بالفندق والدرجة التصنيفية للفندق في صف، والموقع للفندق في صف ثانٍ. لأن وجودك بفندق في منطقة مهجورة وبجانب كلاب ضالة ومقابر متناثرة ورجال مشردين أو أندية ليلية أو متعاطين لمخدرات وكباري متعددة سيفسد مزاجك ويخرب إجازتك ويثير قلقك. تذكر، أنت تريد أن ترتاح.

2 - أتمنى من المكاتب السياحية المحلية خوض كامل تجربة السياحة لأي وجهة يروجون لها محليًا بأنفسهم لتشخيص الخلل وإصلاحه.

3 - حديثًا، الكلام للمكاتب السياحية هو موسكو، روسيا.

وحتما غدًا مكان آخر.