آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

لماذا نُستَفز؟

الجانب العاطفي جزء مهم من شخصية الإنسان ويعبّر عما يستبطنه من مشاعر وانفعالات تجاه علاقاته وبيئته وتطلعاته في الحياة، ويمكن فهم شخصية الفرد من خلال مشاعره حيث تعبّر عن شخصية سوية ومتوازنة إذا كانت في مجراها الطبيعي سواء كانت سلبية أو إيجابية تجاه الغير، ولكن المشكلة تكمن في عدم القدرة على الانفصال عن تلك الهالة التي اصطنعها موقف انفعالي وامتدّ تأثيره ليستمر معنا، سالبا منا القدرة على التفكير الواعي والمتأني وكذلك يمتد أثره على تصرفاتنا وتعاملنا مع الآخرين بانفعال غير مبرر، وهذا الأمر يؤثر على شخصياتنا وعلاقاتنا بنحو سلبي ويجعلنا أشخاصا غير مرغوب في التعامل معهم أو يتم وصفنا بالشخصيات صعبة التعامل، ولذلك علينا مراجعة مشاعرنا والعوامل المستفزة لنا وكيفية التعامل معها ومعالجتها تجنبا لتحولنا إلى أشخاص انفعاليين ويتسمون بالغضب الشديد غير المبرر في كثير من الأحيان، فعلى الضفة الأخرى يقف الشخص السوي والواعي الذي يستطيع امتصاص انفعالاته الشديدة والحفاظ على خطواته من الوقوع في التهور وحواراته من التحول إلى ساحة صراع ساخنة، ومهما كانت الظروف المحيطة بنا في صعوبتها والأزمات التي نمر بها فإنها لن تكون مبررا لانفعالاتنا الشديدة، كما أنه يمكننا تحويل تلك المحطات الصعبة إلى فرصة في فهم ذواتنا وقدراتنا ومواطن الضعف التي تصيبنا بموجة الغضب وتحويلها إلى ردود فعل إيجابية.

حالة الغضب والانفعال الشديد إما أن تتعلّق بظروف خارجية تخالف ما نحن عليه من قناعات وقيم ولا نستطيع مجاراة الآخرين وتقبل ما يصدر منهم، وإما أن يكون عامل الانفعال والاستفزاز هو أمر داخلي يتعلّق بخيبة أمل أو صدمة عاطفية أو معاناة من ضغوط حياتية، وهنا نقف وقفة معرفية مع أنفسنا لاكتشاف عوامل الانفعال ومدى جديتها وحقيقتها أم أنها مجرد أوهام وتفسيرات عقلية تخالف الواقع تماما، إذ في بعض الأحيان يكون انفعالنا وتأثرنا السلبي تجاه موقف معين نابع من المشاعر المستفزة المبالغ فيها أو الصورة غير المكتملة، فقراءة النوايا والأحكام المسبّقة والتعميم في المواقف المتشابهة موارد نقع فيها بسبب عدم التحكم في مشاعرنا وطغيانها على قراراتنا.

الاستجابة الانفعالية قد تكون مناسبة عندما نعرف الأسباب المؤدية لها ونختار الردود المناسبة أو ضبط النفس تجاهها وتجاهلها والعمل على مسحها من ذاكرتنا لئلا نقع ضحية لها مستقبلا، فالعلاقات المتوازنة قد يصيبها الاضطراب والتوتر بسبب تلك الانفعالات غير المبرّرة وتجرح مشاعر من حولنا بسبب كلمة قاسية نوجهها في لحظة غضب، بينما الوعي بانفعالاتنا يدفعنا نحو فهم الواقع أكثر والتعامل باحترام وتقدير ونستمع للآخر بواقعية، فضبط الانفعال - مهما بلغت درجة الاستفزاز - مهارة أخلاقية تتبلور في سلوكنا وتبزغ شيئا فشيئا بالتمرين والتدريب في مختلف المواقف والحوارات.