آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

يومُك وَضَعَ حمله وأيامُ ابنك حُبلى آتية

سلمان العنكي

تبدأ حياتنا بعد الولادة بحالة ضعف نحتاج مَن يرعانا، بعد شهور زحفًا يفرح الأحباب، وحبوًا على أربعٍ بين ضحكات الكبار والصغار، فمشيًا على اثنتين عندها تحلو بشارة الجيران والأصحاب، خطوات تشتد ركضًا حتى إذا ما بلغت ذروتها عاودت الانحدار نزولًا، إن طال بنا عمرٌ، إلى حيث بدأنا وأرذل، أو قبلها متنا دون إكمال.

«عمرُنا أشبه بساعات يوم: نخرج مِن ظلمة بطن أمٍّ كشروق شمس سارت حتى منتصف نهارها، وقت الزوال اكتملت، كذلك العمر، أعقبها عود على بدء فأفول، انتهت بغروب، ونحن ندخل في ظلمة قبر دون رجوع».

تتخللها حواجز ومعوّقات، وما لم يكن في الحسبان، بعضها يغيّر الخريطة المرسومة في أفكارنا قبل تنفيذها. نُصيب أو نُخطئ، يكون أو لا يكون، تحسمها المواقف من مستجدات وتطورات ومفاجآت تعددت أدوارها. فبأي قلم نخطّ؟ كيف ندوّن رواية؟ نُوثّق قصة؟ نُصحّح خطأ؟

بالعزيمة نتغلب على تلك الصعاب بقراءة ما حولنا وتجارب سبقتنا، ومتابعة قنوات تنوّع بثّها، نصل إلى الهدف المنشود، فإما خيبة أمل، أو استسلام مبكر للفشل، أو إصرار لتحقيق نجاح، وهو ما نطلبه. فإذا انتصرنا على المتربص حققنا ما خططنا، قهرنا المستحيل، كتبنا حياةً بأنامل من ذهب، وإن غالبنا وغُلبنا فإلى البديل الذي يأتي متأخرًا مخالفًا لما رسمناه، على أن يكون العوض، ولا يُستبعد أنه الأسوأ، وحينها نرسم بأعواد جافة على صفحات كاتمة، والأحداث تشهد.

المقياس: كيفية التعامل مع أخذ ما حولنا في الاعتبار، مواكبة العصر، شطبُ جزء من الماضي، أخذ جواهر الحاضر، عدم اليأس، مقارعة الإحباط مرة ومرات حتى تحقيق الغاية.

«من سنوات قرأت أن سيدةً بريطانيةً تقدمت للحصول على رخصة قيادة سيارة، فشلت تسعًا وأربعين مرة، في الخمسين نجحت وحصلت عليها - ومن قريب نُشر عن امرأة في السبعينات حصلت على شهادة البكالوريوس».

الطموحات لعبت دورًا فنيًا أساسيًا مهمًا للنهاية. كلنا عنده حب الأنا، يسعى للبقاء بعد الموت، لا يقبل أن يكون الغير أفضل منه، لهذا يحرص الآباء على تربية الأبناء كما هم يحددون مستقبلهم. لكن ”القضبان تحرّف القطار عن مساره“. الأمس لا يناسب اليوم: زمان نستخدم الجِمال لنقل البضائع، الأريل لاستقبال إرسال المحطات المرئية، مروحة الخوص للتبريد، إلى أن أصبحت هذه من التراث، وُضعت في حدائق المنتزهات، تُزين بها أسطح المنازل وتُعلّق على الجدران.

«يومك وَضَع حمله، عُرف المولود وسُمّي، حُدد مصيره، ويوم ابنك لا يزال في انتظار ماذا يلد».

العالِم يتمنى أن يكون ابنه عالِمًا، وكذلك الطبيب والمهندس والتاجر والمزارع. إن حالف البعض حظّه خابت آمال آخرين. ما يُنجح هذا لا يصلح لذاك، وبنظرة شاملة لا يُعتبر هذا فشلًا، لأنها مجرد نظرات وتزاحمات وتقاليد لا حقيقة مفروضة. ربما اختيار المُوجَّه خير من المُوجِه.

علينا أن نتنبّه إلى تطلعات أبنائنا، ندرسها بدقة. منا البسيط في مستواه العلمي والفكري، ولا دراية له برغبات ابنه، لا يعطيه حرية التعبير أو يجبره إلى تخصص يصعب عليه. أنت لا تجيد القراءة، لا تنشئ جملة مفيدة، وتريد من ابنك حتمًا عميدًا في الأدب أو مجالًا نادرًا، وإذا تعسّر في وسط الطريق حملته نتيجة أنت من أسّس لها، صببت عليه غضبك، لماذا؟ لا بإلحاحٍ أن يكون كما أنت، اتركه وما هو. إن استشارك، فلك أن تُشير، أو ارشده لأصحاب الشأن ليوجّهوه، يدلّوه لما يناسب مستوى إدراكه.

«من لا يجيد قيادة مركبة، كيف تأمنه رُبّان سفينة أو قائد طائرة أو يفتح قلب إنسان؟».

نحن في مدرسة، لا غرابة ولا عجب نشاهد ابن القاضي حلاقًا، ابن العامل تاجرًا، ابن الفلاح مستشارًا، حادّ النظر لا يقرأ، مكفوف البصر بنكُ معلوماتٍ، الكل موجه لما وُفق له.

«ليس دومًا بالضرورة كما يقال: ابن البط عوامًا، ولكن قد نرى ابن الكناس أكاديميًا - ابن بائعة على رصيف في صنعاء أشهر أطباء مستشفيات لندن - ابن راعي أغنام رائد فضاء».

حتى نحقق ما نرغبه، علينا إتاحة الفرصة للاختيار الأمثل، ولا يتأتى ذلك إلا باستقراء توجهات المعنيين، ترغيبهم وتشجيعهم والوقوف معهم فيما يحبون، لا خلاف على هذا، وفيه لا إجبارهم على ما يكرهون.