آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

زلزال يوحّدنا… وقضايا تفرّقنا

عبد الله أحمد آل نوح *

حين تذكرنا الكوارث بإنسانيتنا… وننساها في زمن الرخاء.

حين تضرب الكارثة، أو يرحل قريب أو صديق مشترك، تنهار فجأة كل الحواجز التي صنعناها بيننا. لا مكان للألقاب ولا للمناصب ولا للفوارق. تمتد الأيدي بلا تردد: هذا يحمل غريبًا، وتلك تقاسم خبزها مع جار لم تلتقِ به من قبل، وأبواب البيوت تُفتح دون سؤال عن مذهب أو أصل أو ماضٍ. في تلك اللحظات يكفي أن الطرف الآخر إنسان، يواجه الخوف أو الحزن ذاته.

لكن ما إن تهدأ الأرض، أو ينفضّ مجلس العزاء، حتى نستيقظ على واقعنا المعتاد: نُحيي خلافاتنا القديمة، وننشغل بتفاصيل تافهة تعيدنا إلى التفرّق، وكأن الألم لم يجمعنا يومًا.

وهنا يبرز السؤال المؤلم:

لماذا لا نكتشف إنسانيتنا إلا وسط الأنقاض؟

لماذا لا نوحّد صفوفنا إلا إذا باغتنا الخطر أو داهمنا الفقد؟

أهو قدرنا أن نكون عظماء فقط في لحظة خوف، وصغارًا عند أول نسمة أمان؟

مشاهد التضامن في الأزمات تعطينا الدليل القاطع أننا قادرون على العيش كجسد واحد، إذا أردنا. لقد رأينا الفقير يسبق الغني إلى العطاء، ورأينا البيوت تُفتح بلا تردد، ورأينا الفوارق الطبقية والاجتماعية تذوب في مجرى إنساني واحد. التضامن ليس وهمًا، بل حقيقة تتجلى في كل لحظة بلاء.

لكن التحدي الحقيقي ليس أن نتكاتف تحت ضغط الخوف، بل أن نحافظ على هذا الخيط الإنساني في أوقات الرخاء. أن نجعل الرحمة سياسة دائمة لا استثناءً مؤقتًا. أن نتعامل مع بعضنا في السعة، كما نفعل في الشدة.

فالكارثة، رغم قسوتها، تذكّرنا بحقيقة غابت عنا طويلًا: قوتنا ليست في المال، ولا في الجدران العالية، ولا في كثرة الشعارات… بل في أن نكون معًا.

ولهذا، فلنجعل كل كارثة فرصة لفتح صفحة جديدة مع أنفسنا ومع الآخرين. ليبادر كل مختلف مع أخيه أو صديقه أو جاره إلى الصفح قبل العتاب. فالضعيف من ينتقم، والعادي من يعاتب، أما القوي حقًا… فهو من يبدأ بالصفح.

”لا تنتظر أن تهتز الأرض تحتك… كي تمد يدك لمن حولك.“

اللهم ألّف بين قلوبنا في السعة كما ألّفتها في الشدة.

عضو مجلس المنطقة الشرقية ورجل أعمال