أبو الليرات ذاكرة وطن
عندما يبدع شخص ما في فنه وموهبته، ويوطّن ذلك الإبداع في سبيل مجتمعه ووطنه، فإن هذا الإنسان يخلّده التاريخ ويجعله رمزًا يُحتذى به وتتعلم منه الأجيال القادمة. فالإبداع في الفنون المختلفة وتنميتها يمنح صاحبها مكانةً ورفعة، ويصبح جزءًا من تاريخ المجتمع وثقافته، خصوصًا إذا تعددت تلك الفنون وامتزجت مع بعضها، لتنتج مجتمعا نموذجيا وواعيًا بثقافته.
عثمان بن علي أبو الليرات جسد المعنى الحقيقي في خدمة مجتمعه بفنه وإبداعه. فهو فوتوغرافي منذ صغره، إذ بدأ ممارسة فن التصوير منذ الستينات، حين كانت الإمكانيات بسيطة من حيث الأفكار والمقتنيات. لكن الحاج أبو علي تقدم بفكرة فن التصوير، واقتنى كاميرا اشتراها بعشرين ريالًا. ومع مرور الزمن، أصبح مؤرخا لذاكرة قد تنسى مع مرور السنين، لكنه حوّل تلك الذاكرة القديمة إلى صور تحكي واقعًا كان، لتصل إلى أجيال لم تكن في ذلك الزمان، فتربطهم بماضيهم وتنعش ذكرياتهم.
أبو الليرات نموذجٌ تدرّج في إبداعاته وجعلها في خدمة مجتمعه، ومن حبه لمجتمعه وماضيه، عمل مجسمًا لقلعة القطيف، شارحًا أسماء أحيائها ومناطقها التاريخية. وتجدُه حاضرًا في معظم الفعاليات، موثقًا بكاميرته تلك الأحداث والأنشطة، ليحفظها للتاريخ.
إن الشخص الذي يمتلك أبعادًا فنية مبدعة يرفع من مستوى مجتمعه، ويسهم في تنمية فكره، ويكون جزءًا من حركة فنية تراكم الفنون المختلفة، فتمنح المجتمع سمعةً وسِمةً خاصةً به.
فرحم الله الفنان المبدع عثمان بن علي أبو الليرات، وجزاه الله خيرًا على ما قدّم وأبدع في خدمة مجتمعه ووطنه.
إن ما قدّمه أبو الليرات ليس مجرد صور أو مجسمات، بل هو جسر يصل الماضي بالحاضر، ويحفظ ذاكرة المكان والإنسان. ومثل هؤلاء المبدعين يشكّلون قدوةً للأجيال القادمة، ورسالةً واضحة بأن الفن ليس مجرد هواية، بل مسؤولية تجاه المجتمع والتاريخ.