آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

ولا يهون النفط، استدامة الاقتصاد السعودي بيد القطاع الخاص «4»: أمريكا ثالث أكبر مُصَدر للنفط

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال

تحل الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة عالمياً كأكبر دولة مصدر للنفط، لكنها تحتل المرتبة الأولى عالمياً كأكبر منتج للنفط، إذ أن انتاجها يتجاوز 13.5 مليون برميل يومياً، وكان متوسط الإنتاج اليومي 13.2 مليون برميل في العام 2024 مرتفعاً من 12.9 مليون برميل في العام 2023، وواصل ارتفاعه في عهد الرئيس ترامب، بمعدل 13.4 مليون برميل يومياً خلال ما انقضى من العام 2025.

ولا يخفى أن النفط سلعة استراتيجية بالغة الحساسية لظروف الاقتصاد العالمي؛ نمواً وانكماشاً، وللظروف والمخاطر الجيوسياسية ولاسيما الإقليمية، وبالتأكيد شديدة الحساسية لظروف العرض والطلب، ولذا فإن الحفاظ على توازن السوق بما يضمن استقرار امدادات ووصول المادة الحيوية للاقتصاد وللحياة اليومية للمستهلكين هو أمر بالغ الأهمية بما يستوجب التعامل معه بتواصل الاستثمار وصيانة الطاقة الإنتاجية، ومن ناحية الطلب فإن استقرار الاقتصاد العالمي بما ينعكس إيجاباً على الطلب على النفط أمر يعني تماسك أسعار النفط الخام في السوق الآنية والمستقبلية. وغني عن القول ان توازن السوق يتطلب استقراراً والاستقرار يتطلب وضوح الأفق وانقشاع للضبابية. وللتعامل مع المسؤولية الحرجة الملقاة على الدول المنتجة للحفاظ على استقرار الإمدادات النفطية للسوق العالمية، نجد أن الدول المنتجة قد اتجهت إلى التنسيق فيما بينها بما يمكنها من الحد من الفائض في السوق حفاظاً على سوق متوازنة تُمَكن المنتجين من الحصول على إيرادات كافية للاستثمار في الحفاظ على قدرتها على الإنتاج في ذات الوقت الإنفاق على متطلبات الوطنية الأمنية والاجتماعية والاقتصادية. وبالتأكيد فإن جهود الدول المنتجة المتجسدة في منظمة ”أوبك“ وكذلك في اتفاقات ”أوبك بلس“ لا ترمي إلى الاحتكار كما يريد البعض ان يتصور بل لمنع سعر النفط من الانهيار، بما يعيق الاستقرار الاقتصادي للدول المنتجة ويتبع ذلك تراجع قدرتها على الإنتاج فيعاني الاقتصاد العالمي نقصاً في الإنتاج فترتفع الأسعار فتعاود الدول المنتجة الإنتاج وتشكو الدول المستهلكة من ارتفاع الأسعار وبالتالي من التضخم ومن تأثير ذلك على النمو الاقتصادي، وليدور الجميع في حلقة ليست مُفرَغة بل مُفزِعَة.

ماذا عن سياسات الرئيس ترامب النفطية؟ بعيداً عن التخمينات والتحليلات، أستدعي بعض مقولاته البارزة بعد تسنمه الحكم في يناير 2025:

* المقولة الأولى: ”لدينا نفط أكثر من أي دولة أخرى، لكننا لا نستخدمه حفاظاً على البيئة، هذا جنون.“ «يناير 2025».

* المقولة الثانية: ”للجميع، حافظوا على السعر منخفضاً.“ «يونيو 2025»،

* المقولة الثالثة: ”إلى إدارة «وزارة» الطاقة الامريكية: إحفري - يا حبيبتي - إحفري، وأعني الآن!!!“ «يونيو 2025»،

تبين المقولات الثلاث بوضوح سياسات ترامب النفطية، مما يبرر القول أن فترة رئاسته تشهد وستشهد انخفاضاً في سعر برميل النفط، بسبب زيادة المعروض مما يعني فائضاً يضغط سعر الخام إلى الأسفل! وبالفعل، فقد تراجع سعر برميل خام برنت منذ تولي الرئيس ترمب في 20 يناير «2025» من 80 دولاراً للبرميل إلى 68 دولاراً حتى أغسطس «2025»، أي أن سعر الخام فقد أكثر من 15 بالمائة من سعرهِ، فيما فقدت سلة نفوط أوبك 12 بالمائة من قيمتها. وللإنصاف لا يمكن تجيير انخفاض سعر النفط برمتهِ لحساب سياسات ترامب النفطية التوسعية، بل كذلك بسبب حالة عدم اليقين التي ولدها نهجة لرفع الرسوم الجمركية على الدول كافة، ففي يناير وقبل تنصيبهِ رئيساً بأيام قدر صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد العالمي عند 3.3 بالمائة في العام 2025، لكن ما لبث أن خفضه في أبريل إلى 2.8 بالمائة، ثم عدله إلى 3% في يوليو 2025، وكان العامل الأكثر تأثيراً في هذه التعديلات هو تخرصات نهج ترامب في مفاوضاته التجارية مع الدول تشدداً أو مرونةً، وكذلك فقد خفض الصندوق توقعات أداء الاقتصاد العالمي للعام 2026 إلى 3.1 بالمائة، أما المؤثر أساس في ذلك فهي التجاذبات التجارية بين أمريكا وشركائها.

في المحصلة، فالمتوقع أن تتراجع أسعار النفط في فترة إدارة ترامب نتيجةً لسياساته التوسعية ما يعني زيادة المعروض وبالتالي خفضاً للأسعار بما يساعد الدول المستهلكة في بناء مخزوناتها لتستخدمها في حال ارتفع السعر، مما يعني امتداد أمد انخفاض الأسعار! وحتى لا أتهم بالتشاؤم لننظر إلى توقعات البنوك الاستثمارية الأبرز: يتوقع جي بي مورجان متوسط سعر البرميل 66 دولار في 2025 يتراجع إلى 58 دولاراً في العام 2026، فيما تذهب توقعات جولدمان ساكس إلى 60-64 دولار في العام 2025 ويتراجع إلى 56 دولار في العام 2026، بل أن البنك يحذر من أن سعر البرميل قد ينهار إلى بحر ال 40 دولار في نهاية 2026 في حال بقاء الفائض.

وفي المحصلة كذلك، فيما يخص السعودية، فإن انخفاض سعر النفط سيعني - بطبيعة الحال - تراجع إيرادات الخزانة، بما يؤدي إلى ارتفاع عجز الخزانة العامة لما فوق 3 بالمائة لهذا العام وللعام القادم «2026» وكذلك الحال في ميزان المدفوعات؛ إذ يتوقع أن يرتفع العجز من 0.5 بالمائة في العام 2024 إلى 2.6 بالمائة هذا العام «2025» إلى 3 بالمائة في العام 2026 وفقاً لصندوق النقد الدولي، وأن ترتفع نسبة الدين العام إلى 29.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي نهاية هذا العام «2025» إلى 32.6 بالمائة العام 2026.

وهنا يتضح ما ترمي إليه رؤية السعودية 2030 من الأهمية الحرجة لتنويع الاقتصاد المحلي وكذلك تنويع مصادر إيرادات الخزانة. ومع الأهمية الحرجة للمشاريع العملاقة والتي يشتمل تطويرها على مكونات تنموية وعلى انفاق على البنية التحتية مما يجعل فترة الاسترداد طويلة نسبياً، فإن المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي يقودها القطاع الخاص تتميز بفترة استرداد أقصر، وبانها تقوم على جلب أموال جديدة على هيئة: استثمارات وافدة وتوسيع فائض الصادرات مما يعزز وضع الحساب الجاري لميزان المدفوعات وفي نفس الوقت يولد الكثير من الوظائف - مقارنة بالمشاريع الكبيرة والعملاقة - وبالتالي بخفض البطالة وينمي الاستهلاك الخاص، وبالتالي بعزز الإيرادات غير النفطية ما يخفف من حِدة العجز.

كل هذه المزايا تبين جدوى إطلاق حزمة من المبادرات التنفيذية المحورية النوعية لاستنهاض مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتعظيم أثرها الاقتصادي ولاستجلاب الاستثمارات المحلية أولاً من ”جحور سباتها“ ودائعاً في البنوك المحلية والأجنبية لتُضَخ في الاقتصاد السعودي، عبر محفزات تمويلية وشراكات.

وحتى لا يكون الحديث مُرسلاً أعطي مثالاً بمبادرة فارقة من كوريا وهي ”مكتب كوريا للتصنيع الذكي“، التي تُعَرّف المصنع الذكي بالمصنع المتمركز حول الأشخاص وينتج سلعاً مخصوصة بأقل تكلفة ووقت عبر دمج عمليات الإنتاج كافة بتقنية الاتصالات والمعلومات، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، وتوجه المبادرة هو للمنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة بأن تصبح رقمية وبذلك تتحسن الإنتاجية ومن ثم التنافسية عالمياً، عبر تقديم حوافز مغرية تصل إلى 360 ألف دولار للمصنع للتحول الرقمي، ضخ 1.9 مليار دولار لتدريب عمال المصانع الذكية على استخدام تقنيات انترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي في مصانعهم، ويتجسد تأثير المبادرة، حسب الأدبيات الكورية - إلى 30 بالمائة تحسناً في الإنتاجية و 45 بالمائة في جودة المنتجات ونمو في الصادرات الكورية. «يتبع»

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى