التحول السعودي نحو اقتصاد صحي مستدام
في ظل التحولات الاستراتيجية التي تشهدها المملكة العربية السعودية ضمن رؤية 2030، يبرز الاقتصاد الصحي كأحد الأعمدة الحيوية في بناء مستقبل مستدام، يتكامل فيه صحة الإنسان مع سلامة البيئة. ولم يعد الاهتمام بالقطاع الصحي مقتصرًا على تقديم الخدمات العلاجية، بل تطور ليصبح ركيزة اقتصادية تؤثر بشكل مباشر في النمو، والرفاه الاجتماعي، والعدالة البيئية.
يهدف الاقتصاد الصحي إلى تحسين جودة حياة الأفراد من خلال تقديم خدمات صحية ميسورة وفعّالة، ترتكز على الوقاية والعلاج المبكر، بما يضمن خفض تكاليف الأمراض المزمنة طويلة الأمد. وعندما يتمتع المواطن بصحة جيدة، يصبح أكثر قدرة على العمل والإنتاج والمشاركة المجتمعية، مما يعزز من قوة الاقتصاد الوطني ويدفع عجلة التنمية.
وفي المملكة، يشكل تعزيز الصحة العامة أولوية وطنية، حيث تعمل الدولة على توفير رعاية صحية متقدمة، وتوسيع نطاق التغطية الصحية لكافة أفراد المجتمع، وتحسين الوصول إلى الخدمات في مختلف المناطق، مع دعم الابتكار الصحي والتقنيات الحديثة في التشخيص والعلاج.
من أبرز القضايا التي يركز عليها الاقتصاد الصحي الحديث هو الترابط العميق بين صحة الإنسان وسلامة البيئة. فالأمراض الناتجة عن التلوث البيئي، كأمراض الجهاز التنفسي والسرطان وأمراض القلب، تُشكل عبئًا ماليًا ضخمًا على ميزانيات الدول.
إن الحد من التلوث البيئي لا يسهم فقط في حماية الطبيعة، بل يُعد استثمارًا مباشرًا في صحة الإنسان، ويقلل من التكاليف الصحية الباهظة على الدولة. من هنا، تدرك المملكة أن المحاسبة البيئية أصبحت جزءًا لا يتجزأ من معادلة الاقتصاد الصحي، ما يعزز توجهها نحو الاقتصاد الأخضر، والاعتماد على الطاقة النظيفة، ومبادرات مثل السعودية الخضراء التي تهدف إلى خفض الانبعاثات وتعزيز الاستدامة.
لتحقيق الأهداف المنشودة في الاقتصاد الصحي، لا بد من توحيد الجهود بين القطاعين العام والخاص، وتعزيز الشراكة في تقديم الخدمات، وتبادل الخبرات، والاستثمار في الموارد البشرية والمالية. ويُعد إشراك المجتمع في هذا التحول ضرورة، من خلال رفع الوعي الصحي، وتعزيز السلوكيات الوقائية، وتشجيع البحث العلمي والتطوير.
المجتمع الواعي هو شريك فاعل في بناء نظام صحي واقتصادي مرن. وعندما تعمل الجهات الحكومية بتكامل مع المواطنين والمؤسسات، تصبح التنمية الصحية مسؤولية جماعية تؤدي إلى نظام صحي متوازن ومستدام.
في العديد من الدول المتقدمة، أصبح الاقتصاد الصحي هو الشريان النابض للمجتمع، حيث يُنظر إليه كأداة لتحسين مستوى المعيشة وتحقيق العدالة الاجتماعية. وقد أظهرت جائحة كورونا أهمية بناء أنظمة صحية resilient قادرة على التعامل مع الأزمات، وهو ما حفز الحكومات على إعادة النظر في استثماراتها الصحية والبيئية.
وقد سعت المملكة، في هذا السياق، إلى الاستفادة من المعايير الدولية والتجارب الرائدة، عبر التعاون مع منظمات الصحة العالمية، وتبني أفضل الممارسات في التخطيط والتقييم، لضمان الوصول إلى تغطية صحية شاملة وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والاستدامة الصحية.
رؤية المملكة 2030 لم تُغفل أهمية الربط بين الاقتصاد والصحة والبيئة. فقد تضمنت برامجها وخططها الاستراتيجية دعم القطاع الصحي وتوسيع دوره في الاقتصاد الوطني، من خلال:
• تعزيز كفاءة الإنفاق الصحي.
• دعم القطاع الخاص في تقديم الخدمات.
• الاستثمار في التكنولوجيا الصحية.
• إدماج مبادئ الاقتصاد الدائري والبيئة النظيفة.
إن الاقتصاد الصحي لم يعد مجرد تخصص أكاديمي، بل أصبح ركيزة وطنية في بناء مجتمع مزدهر واقتصاد متنوع وبيئة مستدامة. والمملكة العربية السعودية، بما تبنّته من رؤية طموحة وقيادة حكيمة، تمضي بخطى ثابتة نحو نموذج صحي واقتصادي عالمي، يتكامل فيه الإنسان مع محيطه، ليكون أساسًا لمستقبل آمن، وازدهار شامل، وحياة كريمة لكل مواطن ومقيم.