آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

التقدم ليس سلعة تشترى

أمير بوخمسين

حين نسمع كلمة تقدم، يقفز إلى أذهاننا فورًا مشهد ناطحات السحاب، والقطارات السريعة، والتقنيات المبهرة، وكأن الأمم لا تتقدم إلا إذا ارتفعت مبانيها، أو ضجت شوارعها بالازدحام واللافتات الرقمية. لكن هل هذا هو التقدم حقًا؟ أم أن هناك معنى أعمق… وأبقى؟ التقدم هو عملية تحسين وتطور في مختلف جوانب الحياة، سواء كانت اجتماعية، اقتصادية، علمية، أو ثقافية. يمكن أن يتجلى التقدم في زيادة مستوى المعيشة، تحسين التعليم، التقدم التكنولوجي، وتعزيز حقوق الإنسان. التقدم الحقيقي ليس صخبًا حضاريًا، بل وعي جمعي، وارتقاء داخلي للأمم. هو أن ينام الناس آمنين، ويأكل الفقير دون أن يمد يده، وتُسمع كلمة الحق في مجلس دون خوف.

عوامل التقدم للمجتمعات لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال إرادة مجتمعية تقوم على الخطوات التالية:

1. التعليم عبر تعزيز مستويات التعليم والمهارات التي تؤدي إلى زيادة الإنتاجية والابتكار.

2. التكنولوجيا التي تسهم في تحسين الكفاءة وتعزيز القدرة الإنتاجية.

3. نمو الاقتصاد، وتوفير بيئة استثمارية ملائمة يعززان التقدم.

4. التعاون الدولي بين الدول والشعوب لتعزيز تبادل المعرفة والموارد.

5. البحث العلمي عبر دعم البحث والابتكار الذي يسهم في تطوير الحلول والتحديات المعاصرة.

6. الثقافة والتوعية الاجتماعية من أجل ترسيخ الروح الوطنية والتعاون بين أبناء المجتمع.

هذه العوامل إذا تداخلت بعضها مع بعض ساهمت في تحقيق التقدم المستدام. أن تكون كرامة الإنسان أولى من أي مشروع، وحريته أثمن من كل ناطحة سحاب. فالدول التي تُقاس بتقنياتها دون أن نرى أثر تلك التقنيات في جودة الحياة، لا تتقدم بل تتجمل.

ومن أجل تحقيق التقدم المستدام، علينا معرفة التحديات التي تواجهنا، وتقف عائقًا أمامنا.. التحديات التي تواجه تحقيق التقدم المستدام:

1. تغير المناخ يؤثر بشكل كبير على الموارد الطبيعية ويزيد من الكوارث الطبيعية.

2. الفقر وعدم المساواة، إذ الفجوات الاقتصادية والاجتماعية تُعيق الوصول إلى الفرص المتكافئة.

3. النزاعات والحروب تؤدي إلى تدمير البنية التحتية وتفشي العنف، مما يعرقل التنمية.

4. نقص الموارد، وذلك من خلال استنزاف الموارد الطبيعية مثل المياه والطاقة التي تؤثر على الاستدامة.

5. عدم الاستقرار الاقتصادي، والأزمات الاقتصادية تؤدي إلى تراجع الاستثمار في التنمية المستدامة.

6. التكنولوجيا والتغير السريع، فالفجوة الرقمية بين الدول والمجتمعات تعيق الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة.

7. الفساد يعيق تحقيق العدالة ويؤثر سلبًا على فعالية السياسات التنموية.

8. التغيرات الديموغرافية، فالنمو السكاني المضطرد والسريع يمكن أن يضغط على الموارد والخدمات.

9. الصحة العامة، فانتشار الأمراض والأوبئة يمكن أن يؤثر على القوى العاملة والتنمية.

10. المسؤولية الاجتماعية، وضعف الوعي بأهمية الاستدامة يمكن أن يعرقل جهود التقدم.

لذلك تتطلب مواجهة هذه التحديات جهودًا متكاملة وتعاونًا على جميع المستويات، من الحكومات إلى المجتمعات المحلية. التقدم هو أن تنتصر القيم، لا المظاهر. أن نرى المرأة تعامل كشريكة لا كظل، والطفل يُربى على التفكير لا على التلقين، والمعلم يُحترم أكثر من النجم الرياضي. هو أن ننتج علمًا لا أن نستهلك، أن نصنع أدواتنا لا أن نستوردها محملة بثقافة غيرنا. حين تُبنى الجامعات لا لمجرد التشييد، بل لبناء العقول. حين تُحترم النفايات لأنها تُفرز وتُعاد تدويرها. حين يجد المريض الدواء دون إذلال، والعامل أجره دون مماطلة، والمسؤول ضميره حاضرًا أكثر من هاتفه. هناك فقط… نكون قد بدأنا التقدم. ولأن التقدم ليس سلعة تُشترى، فهو يبدأ من داخلنا. عبر طريقة تفكيرنا، وسلوكنا في الشارع، واحترامنا للوقت، وحرصنا على الصالح العام. لا تنهض أمة يكذب فيها الفرد ثم يشكو فساد الحاكم، أو يسرق في وظيفته ثم يلعن التخلف.