آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

نقاشات ”يمان“.. المعلومة أساس التحليل الهادئ

حسن المصطفى * صحيفة البلاد البحرينية

حين تزداد الاستقطابات الحزبية والطائفية، وتكون العصبيات هي الغالبة، تتوارى القدرة على الفهم المعمق. لذا فإن الخروج من دائرة الاستقطاب أمرٌ غاية في الأهمية، إذا أراد المرء أن يكون تصوراً يتسم بالموضوعية والعلمية.

من هنا، فإن المعلومة الدقيقة المجردة، هي حجر الأساس لبناء تصور ورؤية متماسكة. فلا يمكن أن نفهم الحركات السياسية والدينية، إلا إذا تم البحث في أدبياتها وتاريخها، ومراقبة وتحليل خطابها وسلوكها العملاني.

في هذا الصدد، يمكن أخذ جماعة ”الحوثي“ كمثالٍ، خصوصاً أنها جزء من تعقيدات المشهد اليمني والإقليمي معاً، وتحديداً بعد سيطرتها على العاصمة صنعاء منذ سنوات، وتالياً دخولها فيما عرف بـ ”حرب الإسناد“، وقبلها تموضع ”الحوثيين“ كجزء من ”محور المقاومة“ بقيادة إيران!

هذه الحركة العقائدية المسلحة، تناول سيرتها بشكلٍ مفصلٍ المحلل اليمني فهد الشرفي، في حواره مع محمود العتمي، ضمن بودكسات ”يمان“ الذي تبثه منصة ”مزيج“ التابعة لـ ”شبكة العربية“؛ حيث كان حديث الشرفي يتكئ على شهادته الشخصية وخبرته السابقة في التعاطي المباشر مع قيادات الحركة، وقراءته أدبياتها المختلفة، طيلة سنواتٍ خلت، ما أعطى لما قدمه ”يمان“ قيمة مضافة، بعيداً عن الرأي السياسي الخاص الذي تتنوع فيه وجهات النظر باختلاف الشخصيات وزوايا قراءاتها المتعددة.

حلقة ”يمان“ التي استضافت الشرفي، قدمت نموذجاً عملياً لكيفية توظيف المعلومة في خدمة التحليل السياسي متعدد الجوانب، الذي يمكن عبره الوصول إلى استنتاجات أكثر موثوقية وإقناعاً. فحديثه كان ضمن سياق ثقافي تراكمي، لأنه لم يكتفِ بتوصيف الحوثيين كفصيلٍ سياسي، بل قدّم خلفيات تاريخية وأمثلة عملية، تساعد على قراءة نشأة وواقع ومستقبل الحركة ضمن حاضنتها الاجتماعية والثقافية والدينية، وكيف بنت تحالفاتها وتعاملت مع الأصدقاء والخصوم في آنٍ معاً.

برامج ”البودكاست“ بشكل عام، تحظى اليوم بانتشار واسعٍ عربياً، ولها جمهور آخذ في الازدياد.. لذا لا يجب أن يُنظر إليها كموضة عابرة، بل كمنصة قوامها المهنية، عبر البحث والتحضير المسبق، والتوثيق والتحليل، وتبني محتواها على تراكم معرفي، لا على الإثارة السطحية التي لا تلبث أن تزول.