آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

أربعة حروف تشعل نار الخصومة

عبد الله أحمد آل نوح *

أحيانًا لا نحتاج إلى حرب أو خيانة كي تنهار العلاقات… يكفي أن تتسلل أربعة حروف صغيرة لتشعل نار الخصومة: الشك.

هذه الكلمة القصيرة قادرة على هدم بيت، وتمزيق شراكة، وتفريق إخوة. فالشك لا يطرق الأبواب بصوت عالٍ، بل يتسلل بهدوء، ليحوّل الثقة إلى ريبة، والمودة إلى جفاء، والحب إلى سؤال لا ينتهي.

وأول ما يطرق الشك أبوابه بيت الزوجية. الزواج الذي أُريد له أن يقوم على المودة والرحمة، يتحول إلى ساحة تحقيق حين يحلّ الشك محلّ الثقة. تبدأ القصة بابتسامة مجهولة المصدر، أو تأخر غير مبرر، أو مكالمة لم يُجب عليها. ومع الأيام تكبر الظنون حتى تُخمد العاطفة، ويذبل الحب، ويتحوّل البيت من ملاذ آمن إلى جدران باردة تخنق الساكنين.

وإذا انتقل الشك من البيوت إلى عالم المال، صار أداة هدم أسرع من الخسارة نفسها. الشراكات التجارية تنهض على الشفافية، لكن الغموض يفتح الباب للريبة. كم من شركات ناجحة انهارت لا بفعل السوق، بل لأن أحد الشركاء ظنّ أن الآخر يخفي عنه شيئًا. في لحظة واحدة تتحول العلاقة من تعاون إلى خصومة، ومن مشروع مشترك إلى ركام. فالشكّ لا يسرق المال فقط، بل يسرق رأس المال الأهم: الثقة.

وحتى بين الإخوة، الذين جمعتهم رابطة الدم، يمكن أن يزرع الشك مسافات لا يجسرها القربى. نظرة تُفسّر خطأ أو كلمة تُحمّل ما لا تحتمل، تكفي لتفتح باب الريبة. وما أن يدخل الشك حتى يمحو أثر القرابة، ويحوّل الأخ سندًا إلى خصم، والبيت الواحد إلى جزر متباعدة. وهكذا يتحول الرابط الأقدس إلى خيط هشّ لا يصمد أمام العواصف.

الشك نار صامتة، لا تقتل دفعة واحدة، لكنها تترك خلفها رمادًا من العلاقات الممزقة. وقد قال الله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ صدق الله العلي العظيم [الحجرات: 12].

وإذا كانت أربعة حروف كفيلة بإشعال نار الخصومة: الشك، فإن حرفين فقط قادران على إطفائها وإعادة الدفء إلى القلوب: حب. فلنطهّر نفوسنا من الشك، ولنزرع مكانه الحب، لنستعيد صفاء العلاقات كما كانت في بدايتها.

عضو مجلس المنطقة الشرقية ورجل أعمال