آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

تجربة السفر في قروب سياحي

المهندس أمير الصالح *

لم تراود ذهني فكرة زيارة دولة البوسنة والهرسك ولو لمرة واحدة من سنوات عمري البالغة الستين عددًا، وعلى امتداد عشرات السنين من السياحة والسفر والانتدابات حول العالم. ولم يتناهَ إلى تخيلي أن أذهب مع قروب سياحي جماعي كبير الحجم نسبيًا لسياحة داخلية أو خارجية، باستثناء موسم الحج لبيت الله الحرام بمكة المكرمة. إلا أنه مع تزايد تعقيدات شروط ومتطلبات ورسوم فيزا السفر لبعض الدول الصناعية المتقدمة، والتضخم في الأسعار وغلاؤها، وزيادة نقاط القلاقل والحروب حول العالم، وانتشار ظواهر سلبية كالسرقة والنشل والأمراض الوبائية في مناطق توافد السياح، شاح وجه العديد من الناس عن محطات سياحية قديمة. بسبب الملل من المحطات القديمة أو تغير الأحوال أو تدهور الأمن في مدن عالمية كلندن ولوس أنجلوس وباريس، أو تشنجات سياسية، أو ما تم ذكره بالأعلى، أفل نجم دول في عالم السياحة وأضاءت نجوم جديدة في سماء السياحة الاقتصادية العائلية، وبرزت خيارات أخرى جديدة لم تكن معهودة.

الطرح والنقاش

في حواضر دول الخليج العربي، عدد ليس بالقليل من الأسر متوسطي الدخل المالي وبعض شبه مرتفعي الدخل كانوا يسافرون لِعدة وجهات سياحية مثل مصر، تركيا، ماليزيا، وحديثًا إندونيسيا، جورجيا، قرغيزستان، موسكو روسيا، فيتنام وتايلند والمغرب. وفي المجمل، الأثرياء وأشباههم والمتعلقون بهم كانوا يسافرون سياحيًا لأمريكا، كندا، دول أوروبا الغربية، جنوب إفريقيا، وحاليًا آيسلندا وأستراليا ونيوزيلندا واليابان.

طبعًا الطبقية في انتخاب جهات السفر تتلاشى نسبيًا عندما تنعقد الزيارات لمكة المكرمة والمدينة المنورة، ولكن تبرز في الفنادق وخدمات الحملات.

صناعة السياحة للقروبات المسافرة للخارج

المجتمع بين طبقة مخملية وطبقة عادية، وهناك طبقات أخرى لن نتدارسها في هذه العجالة. وما زال الأغلب ما بين مبلور ومحاول أن يبلور توجهاته وتفضيلاته السياحية. انطلقت مكاتب سياحية عدة بهدف تجاري بحت في دول مجاورة، ولحقتها مكاتب تنظيم رحلات محلية لم تتطور بشكل مهني احترافي كما هو في الدول الصناعية. فالتصنيف للأعمار والأنشطة، والتقييم للخدمات، والترتيب للجداول، والانضباطية، ومواءمة الرغبات، في الأغلب غير ملتفت له لأن هدف معظم مكاتب تنظيم الرحلات ووكالات السفر هو بيع أكبر عدد من التذاكر بأعلى هامش ربح.

حتى لا تندم في خياراتك عند السفر

إذا كنت مرتاح البال، جيد التخطيط، متمكنًا ماليًا، وفطنًا في خياراتك وصحبك جيدًا، فابتعد عن الرحلات الجماعية مع من لا تعرف طباعهم والتزامهم بالمواقيت وأخلاقياتهم، إلا إذا ضمنت وجود أفراد متعاونين ومتقاربين الخصال والشيم والتفاعلات والطاقات والانسجام. نعم هناك من يبحث عن تكوين صداقات أو الخروج عن العزلة الاجتماعية فيسافر مع أي مجموعة دون أي قيود أو انتقاء. وإذا كان ولا بد من السفر مع قروب سياحي غير معروف التركيبة لك مسبقًا، فمن الأجدر الإصرار على مكتب السياحة بضمان حجز مع فئة عمرية نشيطة ومهذبة وتطابق إلى حد كبير همتك ونشاطك وهدوءك. وفي الغالب يتحجج مكتب السياحة بالخصوصية ويمتنع عن مشاركتك بالمعلومة المطلوبة. وهنا، وبعد السفر، ستتفاجأ بمعادن نفسية مختلفة من السلوكيات المتناغمة للبعض والمضادة للبعض الآخر. فالأرواح منها متآلفة ومنها متنافرة، والسفر للراحة وليس للتصادم أو التشنج. ومن الواجب الأخلاقي بدل التذمر من أي وضع، السعي لكسر الجليد. وإن لم تنفع الجهود لتذليل الأمور فالابتعاد عن التصادم هو الأولى.

الأطفال في الرحلات الجماعية الدولية

بالمجمل هناك أطفال انطوائيين introvert وأطفال منطلقين extrovert. التحدي في التعامل مع بعض أنواع الأطفال المنطلقين بشدة، لاسيما مفرطي الحركة. إلزام المسافرين وأفراد عوائلهم في الرحلات الجماعية باحترام: الوقت / الهدوء وعدم الإزعاج / الاختلاف في وجهات النظر / النظافة / اللباقة / الكياسة / الترتيب / دماثة الأخلاق.

تحليل المخاطر عند حركة الركاب داخل مركبة متحركة

عند الإركاب للسياح بأي قروب سياحي بالباص السياحي، لاسيما في حالة وجود أطفال صغار، يوصي متخصصو السلامة أن يتم إجلاس الأطفال وأمهاتهم في المقاعد الخلفية للباص لتفادي حوادث القصور الذاتي للأجسام نتيجة للوقوف المفاجئ للباص؛ كما يوصي مهندسو النقل والسلامة بضرورة توفير أجواء هادئة ومنع إحداث أي صخب داخل المركبة حيث إمكانية تشتيت تركيز السائق وإرباكه. بعض الأطفال لا يتقيدون بأصول السلامة وقد يسببون انتكاسات في السلامة داخل الباص السياحي نتيجة للحركات والتفلتات.

مرفق مقطع علمي يشرح مخاطر عدم الالتزام بالسلامة داخل المركبة المتحركة:

https://vt.tiktok.com/ZSSKRA34t

وبناء على ما ذكر أعلاه، أرى ضرورة ضبط إدارة مقاعد الجلوس داخل الباص السياحي بالطريقة التالية: الرجال الأكبر سنًا في مقدمة الباص السياحي، ويليهم الأصغر فالأصغر من الرجال، ويليهم النساء الأكبر ثم النساء مع أطفالهن، ويكون الأطفال وذووهم في الصفوف الأخيرة. كما أشدد على ضرورة منع أو تقليل الحركة للأجسام داخل المركبة أثناء القيادة. ”السلامة أولًا“ هي مسؤولية أخلاقية من الجميع نحو الجميع ويجب أن تكون مترجمة على أرض الواقع.

ضبط الجدول الزمني للجولات السياحية

سر من أسرار الاستمتاع وزيادة المردود المعرفي والترفيهي للسائح هو استكشاف أكبر قدر من معالم البلاد التي يزورها والأماكن التي يمر بها بأقصر أيام ممكنة. وضبط الوقت خلال أيام الرحلة السياحية الاستكشافية الترفيهية يتطلب الانضباط الشديد والتعاون من الجميع. تجربة يوم أمس في زيارة بعض المواقع السياحية تستدعي التأمل لخلق الفرص الأفضل ومنع استنزاف الوقت بالانتظار تارة وسوء التقدير تارة أخرى. شخصيًا أرى التالي:

1- تخصيص من ساعة إلى ساعة ونصف «1 - 1:30 ساعة» للمحطات شبه الرئيسية.

2- تخصيص 30 دقيقة «نصف ساعة» للمحطات الخاطفة ومناطق التعبئة لوقود السيارة في الرحلات البرية الطويلة.

3- تخصيص ساعتين للمحطات السياحية الشهيرة والجذابة.

وجدول الأوقات المقترحة أعلاه شامل حساب 15 دقيقة للمشي من مواقف الباصات حتى المكان المقصود للتنزه/الترفيه/الزيارة.

التصويت في ترجيح الجهات المراد زيارتها

في الغالب الأعم، برامج الرحلة العامة معدة سلفًا، إلا أن المدد الزمنية المراد قضاؤها لزيارة كل محطة سياحية قد لا يجيد المكتب ضبطها لاختلاف الاهتمامات من قروب لآخر.

استخدام نظام التصويت المتوفر داخل تطبيق الواتس آب «poll» على مدد المكث في المناطق السياحية المراد زيارتها يوفر كمًا هائلًا من الوقت ويتيح زيارة الأماكن الأفضل والأجود والأكثر جاذبية.

الخدمات الصحية

مع رصد حالات الترجيع «الجداف» ودوخة الرأس بسبب كثرة الطرق الملتوية في بعض الرحلات البرية الطويلة من برامج الرحلة، ننصح إداري الرحلة بتوفير مجموعة أقراص طبية ضد الترجيع والدوخة للكبار والصغار.

الأنشطة التفاعلية الترفيهية في الرحلات البرية الطويلة

بعض المكاتب السياحية تعوّل على عقودها مع مكاتب سياحية في الدول المستقبلة للسياح في تفعيل كامل البرامج. وفي الغالب الأعم يركز الدليل السياحي على الجوانب التاريخية للبلاد. بعض المحطات السياحية تحتاج لتنقل لمسافات طويلة تستغرق ست ساعات. ويكون خلالها السياح بين وضعية الصامت أو النائم أو المتأمل.

الرحلات كنز في معرفة معادن بشرية مختلفة

الآداب العامة الكل يتغنى بها، وفي محك الممارسة تستبان وتستفتى الأنفس من خلال المعاملة والذرابة والحوار والنقاش والكرم والإيثار والاحترام. شخصيًا اكتشفت أن الديوانيات والمساجد والمدارس وأماكن العمل لا تعطيك صورة واضحة عن قناعات أبناء الوطن والمجتمع لأن بعضها بقناع أو أكثر. عند وجود الإنسان خارج نطاق منظومة وقوانين المدرسة ومكاتب العمل وعيون مجتمعه، تتبين وتتكشف لك حقيقته وحقيقة قناعاته في الدول السياحية ذات الأسقف الكبيرة في الحرية الشخصية وسهولة احتراز المحظورات.

المزاج العام لشعوب الدول السياحية

هناك شعوب مرحبة ومحتضنة للسواح وتتعايش مع الزوار لبلدانهم وتتقبل التنوع العرقي للزوار الذين يزورون بلدانهم. وهذا شيء جميل ومشجع وجاذب للاستثمار. في المقابل هناك شعوب تشعر بالكراهية والعدوانية نحو السياح الأجانب لأنهم في نظر أولئك شاركوا في رفع الأسعار وتزايد حجم الفجوة بين أبناء الطبقات الاجتماعية فيما بينهم.

سلوك السياح لبعض أعضاء القروب السياحي العام

هناك من يلتحق بالقروب السياحي وهو أجودي، ذرب، مؤدب، خلوق، متعاون… إلخ.

وهناك من هو لئيم، سخيف، ساذج، بطيء… إلخ. فكن حاذقًا بألا تكون إمّعة أو مغفلًا عند حدوث أي تبعات لتصرف بعض أعضاء القروب السياحي في مكان عام أو تشاجر مع أحد مواطني تلك الدول.

خاتمة

تجارب التفويج والقروب السياحي قديمة بالنسبة لبرامج مثل الحج والعمرة. أما السياحة الجماعية الترفيهية في دول العالم المختلفة مع مجاميع ومكونات اجتماعية مختلفة الطباع والأذواق فإن الأمر مختلف ويحتاج لدراسات وتحليل واستفتاء واستبيان وندوات معمقة من قبل المكاتب السياحية المحلية لإنجاحه بنسب أعلى. ليتذكر أعضاء أي قروب أو فوج سياحي جماعي أن السياحة الجماعية تعني إيثار حفظ حق استمتاع المجموعة على استمتاع الفرد الواحد. عدد أقل للمجموعة السياحية جودة وتوفيق وأريحية أكبر، وهذا هو المنصوح به.