آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

ولا يهون النفط، استدامة الاقتصاد السعودي بيد القطاع الخاص «3»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال

خفض نقطة تعادل سعر برميل النفط، كيف؟

من وقتٍ لآخر يصدر صندوق النقد الدولي تقديرات نقطة تعادل سعر برميل النفط للدول التي تعتمد مداخيل خزانتها على الإيرادات النفطية، وهي حالياً بالنسبة للمملكة - وفق حسابات الصندوق - 91 دولاراً للبرميل، لكن التوقعات لأسعار النفط في المدى القصير وحتى المتوسط هو التراجع، وبالتأكيد هذا يعتمد على افتراضات متداخلة إقليمية وعالمية باعتبار أن النفط سلعة استراتيجية وحساسة للتطورات الجيوسياسية ولآفاق نمو وانكماش الاقتصاد العالمي. وأخذاً بهذا الاعتبار، فسيكون ثمة تحدٍ أمام نمو الإيرادات النفطية وبالتالي إيرادات الخزانة العامة إجمالاً، مما يزيد من أهمية مضاعفة الجهد لتوليد وتفعيل المزيد من المبادرات لتعزيز مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، وتنمية إيراداتها بالسعي لاستقطاب المزيد من الاستثمارات عموماً بما في ذلك الأجنبية الوافدة، وحفز الاستهلاك الخاص، باعتبار أن الاستثمار والاستهلاك هما عامودا الاقتصاد السعودي، فقد مَثَلا نحو 72 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2024 بالأسعار الثابتة، وكذلك مضاعفة الجهد للحد من تسريبات ميزان المدفوعات إلى الخارج بما في ذلك الاستيعاب محلياً لحصة أكبر من مدخرات الوافدين، وتنمية صافي الصادرات «من السلع والخدمات». هذا إجمالاً، أما تحديداً فيبقى الأساس مستهدف رؤية المملكة 2030 في تنويع الاقتصاد لتمثل المحرك الأساس للاقتصاد السعودي ألا وهو رفع مساهمة القطاع الخاص لتصل إلى 65 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2030. ولعل من المفيد النظر لأمر التنويع الاقتصادي من اتجاهين: 1. من زاوية القطاع النفطي، ممثلاً في أرامكو، ومن زاوية القطاع الخاص ممثلاً بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتعرض الفقرتان التاليتان ذلك.

من زاوية القطاع النفطي، تساهم أرامكو في جهد التنويع الاقتصادي من خلال قنوات تعزز دور القطاع الخاص، وخاصة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتتمثل تلك القنوات في برامج ومبادرات تهدف إلى توطين المحتوى، وخلق فرص العمل، ودعم تنوع الأنشطة الاقتصادية ضمن رؤية 2030، منها برنامج ”إكتفا“، الذي انطلق في العام 2015، حققت أرامكو تقدمًا في زيادة توطين المحتوى المحلي إلى 67 بالمائة في العام 2024، مع مستهدف 70 بالمائة مع نهاية العام الحالي «2025». ويضاف لذلك إطلاقها لبرنامج ”تَليّد“ العام 2022 لتسريع نمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال 20 مبادرة، و”نماءات“ العام 2021 الذي يركز على صنع شراكات في خمسة مجالات: الاستدامة، الرقمنة، التصنيع، الخدمات الصناعية، والابتكار الاجتماعي.

من زاوية القطاع الخاص، فعلى الرغم من المكاسب التي جلبتها مبادرات رؤية السعودية 2030 التي تستهدف رفع مساهمة القطاع الخاص، إلا أن دور المنشآت الصغيرة والمتوسطة ما برح بحاجة إلى مزيد تسريع لتحقيق المستهدفات، فهذه المنشآت توظف حالياً 50 بالمائة من قوة العمل، وهي الوحيدة دونما منازع التي بوسعها توفير فرص عمل للأعداد المتزايدة التي تبحث عن عمل حالياً ومستقبلاً. مما يبرر المسارعة لإزاحة معوقات زيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، وأن تلعب دوراً متعاظماً في رسم سحنة قطاع خاص حيوي وتنافسي فيه متسعاً للريادة ولتكافؤ الفرص، ومن أهم الممكنات تحسين وصول المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى التمويل عبر تحسين البنية التحتية الائتمانية، لزيادة إقراض المنشآت الصغيرة والمتوسطة ليرتفع من حوالي 9 بالمائة العام 2024 إلى 20 بالمائة العام 2030، والتوسع في توظيف التقنية المالية «فينتك»، وتوفير الحوافز والممكنات بما يضمن وصول العمالة الماهرة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة على صعيد واحد من المنشآت الكبيرة. والمبرر لفعل كل ذلك هو أن انتعاش المنشآت الصغيرة والمتوسطة وازدهار مساهمتها تمثل ركيزة تنويع الأنشطة على تعددها وتوفير عدد كاف من فرص العمل واستدامة النمو الاقتصادي بما يوفر تحصيناً ضد شقلبات النفط وتبعات انخفاض سعره على الخزانة العامة، وتحديداً المساهمة مساهمة فعالة في خفض سعر تعادل برميل النفط بما يجعل الخزانة العامة في منأى عن تبعات انخفاض سعر النفط، فتلك النقطة هي التي ستحدد إن كنا لم نَعدّ نعتمد على النفط! ويمكن الجدل أن ذلك يتحقق بعبور التوطين من بوابتهِ الواسعة وبروافده التي يقارب عددها 500 نشاط بعضها حضوره في اقتصادنا باهتاً وفي الكثير منها هامشياً فيما عددٍ لا يستهان به لم يَحضُرّ لاقتصادنا السعودي بعد. «يتبع»

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى