آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

الخيبة الكبرى «1»

قال تعالى: ﴿… وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا [طه الآية 111 ].

الوهم الكبير الذي يعشعش في عقل الإنسان يتعلّق بالخلط في الحسابات والتقييم المغاير والمخالف للحقيقة تماما، فيحسب الفرد نفسه يسير في طريق السلامة والنجاة وتحقيق المنجزات بأداء رائع بينما هو في طريق خاطئ وأفق مسدود يعود عليه بالويل والخسارة والخيبة الكبرى، والأدهى من ذلك هو أنه يعرف - حق المعرفة - أن الطريق الذي يسير عليه قد سار فيه من قبله، ولكنه يعتقد مع اتحاد وتوافق المعطيات والآليات إلا أنه سيصل إلى نتائج مخالفة تتصف بالإيجابية، والسبب في المخالفة في النتيجة بينه وبين غيره هو الخصوصية في إمكانياته وقدراته وطريقة تفكيره!!

ما هو السبب في تسرّب هذه الآفة إلى العقل الإنساني، فيظن بأن مصيره والنتائج المترتبة على فعله ستكون مخالفة لمن سار في نفس الطريق، فحب المال عنده مثلا والصفات السيئة عنده كالخداع والانتهازية سيكون لها نتائج مرجوة تخالف ما نتج عمّن سبقه مع أنه تصرف مثله تماما؟!

العامل المهم في دخول الفرد في دهاليز الخديعة النفسية هو اتصافه بالغرور وانتفاخ الذات، والذي يصوّر لذاته بأنه ليس كغيره ممن يخسر ويقع في الأخطاء، كما أن الجهل سمة من لا يستطيع الربط بين الحالات المشاهدة بالوجدان والتي تربطها قاعدة وسنة إلهية وقاسم مشترك، فيقوده جهله للاعتقاد بالخصوصية لذكائه وقدراته الخاصة والتي ترسم مسارا مختلفا تماما عما وقع فيه من سبقه في نفس الخطيئة، فإذا تورّط أحدهم في خطيئة معينة كالاغترار بالقوة كالأقوام والأمم السابقة فإنه يتصوّر بأنه أقوى وأصعب من ملاقاة نفس النتيجة والعقوبة، وإلا فإن القصص القرآني يحدّثنا عما ارتكبته الأمم السابقة من خطايا متعددة على مستوى العقيدة وعبادة غير الواحد القهار والرذائل الأخلاقية، وما هذا التذكير والتنويه إلا لغرض عرض تجارب سابقة يستفيد منها الإنسان الدروس والعبر وفهم عوامل الانزلاق إلى وحل الآثام، ولكن الإنسان الخائب يلقي وراء ظهره ويعرض صفحا عن تلك الإثارات العقلية ويتحمّل على ظهره أوزارا تثقل ميزانه وتتراكم عليه حتى ينوء عن حملها وتحمّلها، ويأتي في يوم الحساب وعرض الأعمال لتظهر حقيقة مسعاه ومسيره في الحياة والذي يتلخّص في تحمّل الظلم على نفسه ودفع الأثمان، في خسارة فادحة لا تعوّض كأي خسارة في الدنيا يمكنه أن ينهض مجددا بعد السقوط ويعيد لملمة أوراق حساباته، لقد انتهى وجوده المكرّم ومقامه العالي بعد أن خسر نفسه وبعد أن توالت عليه صفارات الإنذار وعلامات التحذير المترائية أمام عينيه ولكنه تجاهل كل ذلك وآثر المسير الأعمى خلف أهوائه، وهو يظن بأنه بعيد عن نظام المحاسبة والمجازاة وإلا لو كان يعيش في وجدانه وخلده بأنه سيقف بين يدي الخالق العظيم ويستحضر هذه الحقيقة بقوة ضميره قبل الإقدام على أي خطوة لتراجع في موارد الضرر الشديد الذي يجلبه لنفسه بارتكاب الخطايا، وهل يظن أن له استثناء خاصا عن قانون العدالة والحساب في الآخرة بخلاف الضنك والمعاناة في الدنيا؟!