من مراجعة النفس إلى احتقار الذات.. الوجه المظلم للذنب
لكل فرد من الناس، سواء كان ينتمي إلى دين أو لا، يتعبد بمذهب معيّن أو لا يعترف بالمذهبية الدينية، يمرّ بلحظات يشعر فيها بالذنب، سواء كان ذلك بسبب موقف معيّن، أو مخالفة للقيم التي تربّى عليها، أو خروجه عن الشرائع التي يؤمن بها.
الذنب هو شعور داخلي يحاكي النفس ويؤنبها، ويُعرف غالبًا بالضمير الداخلي.
هذا الضمير يتشكّل ويتأثر بالبيئة التي يعيش فيها الإنسان. لذلك، قد يختلف الشعور بالذنب من شخص لآخر باختلاف الأديان، والثقافات، والمجتمعات.
الشعور بالذنب، إذا جاء للمراجعة والتقويم، وكان محدودًا بوقت معيّن، فهو شعور صحي ومطلوب، لأنه يساهم في تهذيب السلوك وتصحيحه. وغالبًا ما يكون هذا بين الإنسان وذاته، في لحظة مراجعة صامتة، يعود فيها إلى نفسه ليعيد ترتيب الأمور.
لكن الخطورة تبدأ حين يتحوّل الذنب إلى عقدة تسيطر على الإنسان. وتزداد حدّتها عندما يكون هناك من يؤجج هذا الشعور بالتأنيب الخارجي، فيُضاعف تأنيب الضمير الداخلي، ويغذّيه حتى يتحول إلى حالة من الانحطاط والاحتقار الذاتي.
عند هذه المرحلة، قد تتولد لدى الإنسان رغبة في الانتقام - من نفسه أو من مجتمعه - فتخرج ردات فعل عكسية، تظهر على شكل عنف، أو في أسوأ حالاتها، إرهاب.
ولهذا السبب، كثير من الحركات المتطرفة تستغل أولئك الذين ابتُلوا بهذه العقدة، وتقدّم لهم وعودًا بالخلاص والتكفير، مستخدمة أساليب نفسية وعقائدية مختلفة، لتجعلهم أدوات طيّعة في أيديها.
ولأن الدين في جوهره لا يريد للإنسان أن يغرق في الذنب، بل أن ينهض منه، كان الخطاب الإلهي واضحًا ورحيمًا، يفتح باب العودة بلا شروط ثقيلة.
قال تعالى:
﴿قل يا عباديَ الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعًا، إنه هو الغفور الرحيم﴾ [الزمر: 53].
وهذا النداء الربّاني كافٍ ليردّ على كل من استسلم لشعور الذنب حتى استحكم به، ويؤكد أن الإنسان في أصل فطرته قابل للتوبة، لا للهلاك.
ما أردتُ الخلاص إليه، هو أن الشعور بالذنب يفترض أن يكون وقتيًا وعابرًا، لا أن يتحوّل إلى حالة من الهستيريا تلازم الإنسان وتتحوّل إلى عقدة تسايره في كل حين. وعليه، ينبغي لكل من يمرّ بهذه الحالة أن يعي جيدًا أن لا أحد من الناس في منأى عنها، وأن طبيعتها العميقة لا تعني أنها حتمية أو دائمة.