آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

الحلم الذي تأخر أن يولد

بدرية حمدان

الحكايات تولد لا تُقال، في قلب كل أم، حلم لم يكتمل، حلم قد يكون وقف عند حدود الزواج المبكر، أو عند باب جامعة لم تدخلها، أو حتى في موهبة خنقتها التقاليد، ومع مرور الوقت، لا تموت هذه الأحلام، بل تتحوّل إلى بذور صامتة تنمو على استحياء حتى يأتي الأبناء.

تولد كفاية، ولا تدري أنها أكثر من مجرد ابنة. إنها تجسيد لهدنة مؤقتة بين الأم والزمن.

الابنة، منذ لحظة ميلادها، امتدادًا خفيًا لما كان يمكن أن يكون، الأم ترى فيها ملامحها القديمة، فرصة جديدة أن تُعاد الحكاية، ولكن بنهاية مختلفة.

تخيط الأم لابنتها أحلامًا على مقاسها، تحرص على تعليمها، تختار لها أفضل المدارس، توجهها نحو ما تعتقد أنه الأفضل، ليس بدافع السيطرة، بل بدافع الحب، الحب حين يختلط بالندم القديم يصبح مزيجًا معقدًا، الأم تحب ابنتها بشدة، وتُريد لها أن تنجز ما لم تستطع هي أن تفعله، وفي كل تشجيع، هناك جرح قديم يُداوى، وفي كل دفع نحو القمة، محاولة لمصالحة ماضيها.

وهذا حال معظم الأمهات ما تفعله الأم هو نوع من الإسقاط، تُسقط رغباتها القديمة على شخصية لم تخلق لتحمل هذا الحمل.

تخلط بين ذاتها وذات ابنتها، وبين طموحها وطموح ابنتها، وقد تبدو هذه النوايا جميلة في ظاهرها، لكنها قد تؤدي إلى ضياع هوية الابنة إن لم تدرك الأم الفارق بين الدعم والفرض.

تكبر الابنة، تبدأ تدريجيًا في الشعور بثقل لا تفهمه، تشعر بأنها مطالَبة بأن تكون ناجحة دائمًا، متفوقة دائمًا، مُرضية دائمًا.، وربما في لحظة ما، تتساءل: هل أعيش حلمي أنا أم حلم أمي؟

في مجتمعاتنا، أحلام النساء كانت تُؤجل أو تُلغى، لا لضعف في الإرادة، بل بفعل ظروف مركبة، سلطة المجتمع، قلة الفرص، الانشغال بالتضحية من أجل الأسرة، الأم لم تكن ضحية تقصير شخصي، بل ضحية منظومة كاملة.

أما الآن، فالعالم تغيّر. كفاية تنتمي لجيل باتت فيه المرأة تُطالب بحقها في التعليم، والعمل، والاختيار. وحين تحاول الأم أن تعيش أحلامها عبر ابنتها، فهي تعبر بطريقة لا واعية، عن دهشتها من هذا التحوّل، وخوفها من أن تُكرر الابنة أخطاءها.

لكن، ما لا تدركه الأمهات أحيانًا، أن القوة التي نمنحها لأطفالنا لا تكون في توجيههم، بل في الثقة باختياراتهم.

ربما نتساءل في لحظة هدوء هل نحن فعلاً امتداد لمن سبقونا؟ وهل من واجبنا أن نُكمل أحلامهم؟ أم أن لكل جيل حقه الكامل في أن يخطّ مساره؟

الأم ليست على خطأ حين تحلم لابنتها، لكن الخطر يكمن حين تنسى أن لابنتها حلمًا آخر قد لا يشبهها، في النهاية، الحلم ليس ميراثًا يُورث.