آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

تراجع العلمانية وصعود الخطاب الطائفي!

حسن المصطفى * صحيفة البلاد البحرينية

لم يعد خطر الانقسام الطائفي في العالم العربي مسألة هامشية أو ظرفية، بل أصبح تهديداً مباشراً لأسس الدولة الوطنية القائمة على المدنية واحترام التعددية.

حين تتراجع قيم الحداثة والعلمانية، ويتحول الانتماء المذهبي إلى معيار الولاء الأوحد، تفقد الدولة تماسكها، وتغدو ساحة لتصفية الحسابات بين مكوناتها المرتابة من بعضها البعض. الأخطر، أن هذا الانحراف لم يقتصر على عامة الناس، بل امتد إلى نخبٍ كانت تدعي الدفاع عن مفاهيم المواطنة، فإذا بها، تحت ضغط الخوف أو الطمع السياسي أو المصالح الحزبية، تبررُ سلوك طائفتها حتى إن كان خطأ وتتنكر للمصلحة الوطنية العُليا، وفي ذلك إضرارٌ بالسلم الأهلي. في لبنان، تعطلت مؤسسات الدولة سنوات طويلة لأن الولاء للطائفة والسلاح سبق الولاء للدستور. في العراق، أفرزت المحاصصة المذهبية انتشار الزبائنية السياسية والمليشيات، وأفسحت المجال لتدخلات أجنبية في غير مصلحة العراقيين. في اليمن، نشبت حرب مدمرةٌ أطاحت بما تبقّى من مؤسسات، وأدت إلى معاناة الشعب.. أما في سوريا، فما جرى مؤخراً من معارك هويات متصارعة، وانفلاتٍ للمسلحين، يجعلُ المسار نحو الدولة العادلة وعِراً!

هذه الانقسامات ليست مجرد نزاعات سياسية عابرة؛ إنها سُمٌ بطيءٌ يفتك بجسد الدولة.. فهي تشلُ المؤسسات، وتنمي بذور التطرف والإرهاب، وتزرع الفساد والمحسوبيات، وتدفع المستثمرين إلى الهروب، وتبددُ الثروات في صراعات عبثية. كما تهدد السلم المجتمعيَ بتحويل الجار إلى خصم، وتجردُ الدين من رسالته الروحية السمحاء، ليصبحَ أداة تعبئة وتحريض وقتل!.

مواجهة هذا المسار الكارثي تبدأ بإعادة بناء المشروع الوطني على أسس مدنية واضحة، وعبر تعليم متينٍ يُعلي قيمة القانون الحديث العادل ويرفض التمييز أياً كانت أشكاله، وقضاء مستقل يحمي الجميع دون استثناء، وإعلامٍ مسؤول يكون أحد أدوات التنوير ونشر القيم الإنسانية العُليا.

لا يمكن لدولة أن تنهض مادامت أسيرة الطائفة، ولا لمجتمع أن يتقدم وهو يضع الولاء للمذهب فوق الولاء للوطن. فإما أن نختار طريق المدنية والمساواة والتنمية، أو نستسلم لانهيار طويل يلتهم حاضرنا ومستقبل الأجيال!.