نحو مصالحة مع الكتاب
من يحاول قراءة المشهد الثقافي في العالم العربي يلاحظ أن هناك ما يشبه الخصام بين الإنسان العربي والكتاب. فهذا الكائن المسالم رغم أنه صديق لا يخون كما أسماه الجاحظ، فإن شريحة كبيرة من العرب لا يطيقونه، أو لا يطيقون الاقتراب منه أبدًا، وهو سر الانخفاض الكبير في نسب القراءة لدينا وما تشي به الأرقام في طباعة الكتب.
فأرقام دور النشر التي تحكي عن أعداد ما يطبع مخجلة، بكل ما تحمل الكلمة من معنى. هي مخجلة بذاتها ومخجلة أكثر حين مقارنتها بمثيلاتها في الدول المتقدمة. يشعر المرء أحيانًا بأن هناك بالفعل خصامًا في عالمنا العربي مع الكتب حين نرى البعض يتهافت على بعض الكماليات أو حتى المبالغة في شراء الأساسيات من أفضل الأنواع والماركات وبأغلى الأسعار، لكنهم لا يفكرون في شراء الكتب ولا حتى اقتنائها. وحين يعرض عليهم أو حين يتطلب الأمر منهم التناغم مع توجه اجتماعي «Trend» لشراء كتاب ما؛ فحينها تتحرك لدى بعضهم غريزة المساومة للحصول على الكتاب بأقل سعر ممكن، هذا إن لم يطالبوا به مجانًا.
يشتري البعض كوب قهوة بخمسة دولارات أو ستة كل يوم، لكن حينما يصل الأمر إلى شراء كتاب فالأمر يتحول إلى جدال حول سعره. فالكتب لديه يجب أن تكون مجانية وللجميع، ولا يجب أن يكون لها موقع في ميزانيته المزدحمة بالكماليات غير الضرورية، وليت كل هذا يحصل مع قراءتها.
هل المشكلة في الكتب أو في مضامينها أو أشكالها وألوانها وأغلفتها؟ أم في طريقة نشرها وتسويقها وعرضها؟ أم في المشتري وهو الإنسان العربي؟ أم في المناخ العام المحيط به والذي لا يشجع على ذلك ولا يدفع إليه؟ أم هو الوضع الاقتصادي لهم؟ أو ربما هذه الأسباب مجتمعة؟
ربما نحتاج إلى أكثر من مجرد تشجيع الناس على اقتناء الكتب عبر أساليب متنوعة، وربما احتجنا لتعديل في منظومة القيم التي تتصدر مشهد اهتمامات الناس لكي تصبح القراءة في الصدارة متقدمة على قيم أخرى أقل أهمية، وهو ما يجب أن نفهمه من أول آية أنزلت في القرآن الكريم.