دور العاطفة غير الموجهة في تأجيج الخلافات بين الورثة
يعتبر موضوع توزيع الميراث من أكثر القضايا التي تمسّ النسيج العائلي وترهق العلاقات بين الأقارب، فبينما هو شأن قانوني وشرعي، تتداخل فيه أبعاد نفسية وعاطفية تلعب دورًا محوريًا في نشوب وتأجيج الخلافات بين الورثة. هذه العواطف المتدفقة قد تزيد من حدة النزاعات وتجعل من مسألة تقسيم المال مسرحًا لصراعات داخلية تمس مشاعر الجميع.
فالعاطفة عنصر أساس في تفاعل البشر، فهي التي تربط القلوب وتعزز أواصر المحبة بين أفراد الأسرة. لكنها قد تتحول إلى سيف ذي حدين عند الحديث عن الميراث، فتقلب المحبة إلى خصومة، والود إلى عداوة. غيرة أحد الورثة من نصيب أخيه، أو شعور بالظلم وعدم الإنصاف، أو التفضيل بين الأبناء، كلها مشاعر متجذرة عاطفيًا قد تتصاعد لتصبح سببًا رئيسًا في النزاع.
غالبًا ما تكون أسباب الخلافات العائلية حول الميراث مزيجًا من عوامل مالية واجتماعية ونفسية، لكن العاطفة تشكّل عاملًا مضاعفًا يجعل من نزاع مالي صغير يتحول إلى أزمة عائلية. بعض الأمثلة على ذلك:
• الحسد والغيرة: خصوصًا في الحالات التي يشعر فيها بعض الورثة أن نصيبهم أقل أو غير عادل، أو أن هناك تفضيلًا ظاهرًا لأحدهم.
• الأحقاد القديمة والتراكمات: قد تكون الخلافات المالية ذريعة لإخراج مشاعر مكبوتة من نزاعات سابقة.
• الأنانية والتشبث بالمواقف: تمسك كل طرف بحقوقه أو بمطالبه رغم إمكانية التفاهم، بدافع شعوري لا عقلاني.
• التأثر بالأعراف الاجتماعية والتقاليد: التي قد تزيد من شعور الظلم، مثل تفضيل الذكر على الأنثى، أو الابن الأكبر على الأصغر، مما يشعل نار الخلاف.
الإسلام ينظر إلى التركة كحق شرعي لكل وارث بنصوص واضحة، ويدعو إلى العدل بين الورثة وعدم التمييز. كما يحث الدين على حفظ أواصر المحبة وصلة الرحم، والتسامح والتخفيف عن بعضهم البعض. إذًا، الشرع يطلب من الورثة أن يوازنوا بين الحق والرحمة، وأن لا يجعلوا العاطفة الجارفة تفسد عليهم الروابط الأسرية.
• قال تعالى:
﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ...﴾ [النساء: آية 11]، توضيحًا للحقوق الشرعية الثابتة لكل وارث.
• عن النبي ﷺ قال:
”أَدِّوا الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكُمْ…“ [رواه البخاري ومسلم]، في تحذير من ظلم الورثة أو التنازل عن الحقوق بطريقة غير شرعية.
• قال النبي أيضًا:
”مَن حَفِظَ عَلَى رَحِمِهِ حَفِظَ اللَّهُ عَلَيْهِ…“ [رواه البخاري]، لتأكيد أهمية الحفاظ على الروابط الأسرية.
العاطفة قد تدفع البعض إلى رفض الحلول الودية أو الوسطية، مما يؤدي إلى تصعيد النزاعات وامتدادها إلى المحاكم، وهذا قد يطيل الخصومات ويكلف الوقت والجهد والمال. وفي المقابل، قد تساعد العواطف الإيجابية في دفع الورثة إلى التسامح والتنازل من أجل مصلحة الأسرة وسلامتها.
• ينظم القانون المدني الميراث وفق أحكام الشريعة، ويركز على تحقيق العدل بغض النظر عن المشاعر الشخصية.
• يسمح القانون بالتنازل عن حق الإرث، وهذا التنازل قد ينبع من عواطف نبيلة كالرغبة في حفظ المحبة.
• يُفضل تشجيع الوساطة والصلح بين الورثة لتفادي التصعيد القضائي الذي قد يزيد الاحتقان.
• في أسرة فقدت والدها، حدث خلاف بسبب اختلاف تفسير نصيب الورثة، واشتعلت مشاعر الغيرة والشك، لكن جلسة وساطة عائلية قادت إلى حلّ وسط يُرضي الجميع.
• أخت تخلّت عن حقها في الميراث، بدافع الحفاظ على تماسك الأسرة وحرصًا على محبة الأخوة، فخُفّ النزاع وتعززت العلاقات.
• خلاف استمر لسنوات بين الورثة بسبب تشبث كل طرف بموروث عاطفي عميق مع المتوفى، أدى إلى تأجيل توزيع التركة ودخول المحكمة.
• نشر الوعي بالحقوق الشرعية والقانونية بدقة ووضوح.
• تشجيع الحوار والتواصل المفتوح بين الورثة.
• اللجوء إلى حكماء الأسرة أو الوسطاء القانونيين.
• التركيز على القيم الأسرية وروابط الدم فوق المال.
• الاسترشاد بالمشورة الدينية والفقهية.
العاطفة، بطبيعتها الإنسانية، عامل قوي يمكن أن يكون سببًا في تأجيج خلافات الورثة، لكنها أيضًا جسر للتسامح والمحبة إذا أحسن التعامل معها. على الجميع أن يسعوا لتحقيق العدل والرحمة، فلا يكون المال سببًا في التفرقة، بل وسيلة لتعزيز المحبة والسلام الأسري.