آخر تحديث: 26 / 8 / 2025م - 11:56 م

ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله

جمال حسن المطوع

﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر -43]، آية كريمة لها دلالات واضحة على عمق المعنى وصياغة الواقع وروح الحقيقة وقوة الهدف، حيث أصابت كبد الحقيقة بكل تجلياتها ومفاعيلها، فما يشهده مجتمعنا من تداعيات أخلاقية وسلوكية منكرة من مواقف تتجسد فيها ما تُحاكيه تلك السلبيات المقيتة عندما يضمر شخصٌ ما بأخيه سوءًا أو شرًّا بعد تخطيط شنيع صب فيه كل حيله الماكرة لينال بها كل رغباته الخارجة عن روح الشرع والمعتقد والقانون، حيث يوجه سهامه المسمومة المتصفة بالنفاق والمكيدة والخداع باتجاه أخيه أو صديقه أو زميله، مخططًا لحفر حفرة ليُوقِعَ فيها من أراد بهم شرًّا ومصيبةً وتنكِيلًا لغيرةٍ أو غلٍّ أو لمرض في نفسه، لعدم رغبته أن يرى النعمة والخير لأحد، وذلك لأنانية يعاني منها ولحسد مستشر فيه، وإذا بالأمور تنقلب رأسًا على عقب بمشيئة إلهية، فيصبح هو ضحية سهامه الموجهة لمن أراد به كيدًا ويقع هو في شر أعماله.

وما أكثر هذه النماذج في أيامنا هذه انتشارًا بين ظهرانينا، وقد حدثني أخ عزيز عن مأساة وقعت له من قبل أحد هؤلاء الماكرين، وعن تخطيطه اللاإنسانيُّ المقزز الذي كان يسعى فيه إلى زعزعة وقطع الأمور المعاشية التي يرتزق منها والتي كادت تصرفات ذلك الماكر أن تهدم حياة ومستقبل ومعيشة المغدور به، فكان ذلك المخادع قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أمنيته المشينة، ولكن شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى وحالت دون ذلك، فكشفت سرائره وارتد الأمر عليه بالويل والثبور وعظائم الأمور.

وصدق المثل القائل: ”من حفر حفرة لأخيه وقع فيها“، ليأتي ذلك مصداقًا للآية الكريمة آنفة الذكر، وليُسمِع أولئك المخادعين والماكرين أن يعيدوا حساباتهم ويتقوا الله ويخافوه، فهو لهم بالمرصاد، وكما قال جل جلاله في آية أخرى: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال -30].

وفي حديث عن السياق نفسه ما قاله الإمام علي مُنوِّهًا ومحذِّرًا تلك النوعية من البشر حين قال: ”من مكر بالناس رد الله مكره في عنقه“.

فأفيقوا أيها الماكرون وتعلموا الدرس وادرسوه بعناية قبل فوات الأوان يوم يأتي اليوم الذي لا ينفع فيه الندم، وكما قيل: ”اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل“.

والسلام ختام.