آخر تحديث: 26 / 8 / 2025م - 11:56 م

الذكاء الاصطناعي والغباء البشري

سراج علي أبو السعود *

الذكاء الاصطناعي هو بمثابة المارد الذي يخرج من المصباح السحري بعد مسح صاحبه عليه ويقول: شبيك لبيك، خدامك بين إيديك. فيقال له مثلًا: اكتب مقالًا بعنوان الذكاء الاصطناعي والغباء البشري، فيكتبه لك في الحال. وما الضير في ذلك؟ الضير - كما أعتقد - يكمن في ما يسمى: الاتكالية المطلقة. تلك الاتكالية التي تعني أن العقل يتوقف تمامًا عن التفكير، ويطلب من مارد المصباح أن يفعل له كل ما يريد. تظهر عواقب ذلك حينما يتقدّم منجر مثلًا ليقدّم بريزنتيشن مذهل، أعده له الذكاء الاصطناعي من الألف إلى الياء، ثم يباغته أحد الحاضرين بسؤال بسيط حول ما يتحدث عنه… فيحتار في الجواب. والحال نفسه في طالب يحل له الذكاء الاصطناعي الواجبات، وهو لا يفهم عنها شيئًا. إذن، فالسبب أن حدًّا أدنى من الاطلاع والعلم لم يبذله هذا الإنسان في اكتساب ما يتحدث عنه أو يكتب فيه. لقد أوكل كل ذلك إلى الذكاء الاصطناعي، الذي أبدع ههنا في صناعة جهل، وربما غباء بشري، بأجلى صوره ومصاديقه.

في تصوّري، يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي كمستشار، أو لنسمّه سكرتيرًا شخصيًا ذكيًا ومحترفًا، يساعد في جمع البيانات وتلخيصها. يعني ذلك أن الإنسان ينبغي أن يعي ويفهم المعلومات التي يمنحها له هذا المستشار، لا أن يسلّم لها عقله تمام التسليم. فإن توفّر عليها الدليل، أخذ بها، وإلا رفضها. القناعة، حين تكون مفترضة على عصمة الذكاء الاصطناعي، تتحوّل إلى تسليم أعمى، وكأنها وحي من السماء… وهذا بالتأكيد خطأ جسيم. من الناحية المهنية، يوفّر الذكاء الاصطناعي الكثير من الوقت والجهد في إنجاز الأشياء. لكن هناك فرق بين أن يعينك على مهامّ تفهمها، وبين أن توكله بالكامل بمهام لا تفقه منها شيئًا. وهذا الأخير هو - تمامًا - التمرين على الجهل والغباء التدريجي، بحيث يفقد العقل دوره كأداة للتفكير، ويسلّمها للذكاء الاصطناعي.

أظن أن الأجيال القادمة ستواجه تحديا كبيرا. فالعلم الذي طالما كان وسيلة لارتقاء صاحبه إلى أعلى الدرجات لم يعد يُنظر إليه اليوم بهذه الصورة. لماذا يتعلم شخص البرمجة إذا كان الذكاء الاصطناعي سيكتب الأكواد نيابة عنه؟ ولماذا يدرس الهندسة إذا كان الذكاء الاصطناعي هو المهندس؟ ولماذا يتفقه في الدين إذا صار الذكاء الاصطناعي يجيب عن أسئلة الفقه؟! أسئلة كثيرة تتوالى وعلامات استفهام أكثر من ان تحصى. الحقيقة التي اعتقدها أن الذكاء الاصطناعي مهما بلغت عظمته فهو نتاج العقل البشري، والعقل البشري نفسه هو هبة إلهية أعظم من أي أداة صنعها الإنسان. فإذا لم يع هذا الإنسان هذه الحقيقة سلّم أمره طواعية لهذه الأداة، فأصبح تابعا لها بدل أن تكون هي تابعة له. حين يدرك الإنسان أنه هو من منح الذكاء الاصطناعي ذكاءه فسيتعامل معه كمستشار يعينه، لا كسيّد يطيعه طاعة عمياء. أما إذا لم يفعل فسوف يغلف عقله يومًا بعد آخر، ويهيئه للتراجع والكسل، حتى يصبح مجرد أداة لا تُحسن أكثر من أن تضغط زرا وتسجد سجدة الشكر لما انتج.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
منى
[ القطيف ]: 8 / 8 / 2025م - 4:21 م
صدقت… المشكلة مو في التقنية نفسها المشكلة في الاتكالية العمياء اللي تعطل عقولنا.