النثر في الأدب السعودي ورؤية 2030: دور الأدب في تشكيل الوعي
في ظل التحولات العميقة التي تشهدها المملكة العربية السعودية في عصرها الحديث، يبرز النثر الأدبي - بمختلف أشكاله من رواية، وقصة، ومقال، وسيرة - كمرآة تعكس هذه التحولات، وكأداة فاعلة تسهم في تشكيل الوعي المجتمعي، وتوجيهه نحو تبني قيم التحديث والانفتاح دون المساس بالثوابت الأصيلة. وفي هذا السياق، تتقاطع رؤية المملكة 2030 مع الوظيفة الثقافية للأدب، لتخلق مساحات جديدة للإبداع والمعنى.
تقوم رؤية 2030 على مبادئ جوهرية مثل: بناء الإنسان، التمكين المجتمعي، الانفتاح الثقافي، والاقتصاد المعرفي، وهي محاور يجد فيها الأدب أرضًا خصبة لممارسة دوره التنويري. فالنثر السعودي لم يعد مجرد سرد للحكايات أو تأريخ للواقع، بل أصبح وسيلة لتوجيه الفكر، وتعزيز الهوية، ومساءلة التحديات، وتقديم نماذج إنسانية تعكس تطلعات الجيل الجديد.
شهدت الرواية السعودية في العقدين الأخيرين قفزات نوعية، حيث باتت تُعبّر عن التحولات التي يعيشها المجتمع في التعليم، والمرأة، والمدينة، والهوية، والتكنولوجيا، والعلاقات الاجتماعية. فقد تناولت روايات مثل بنات الرياض لرجاء الصانع، وطوق الحمام لرجاء عالم، وموت صغير لمحمد حسن علوان، قضايا ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بمضامين رؤية 2030: تمكين المرأة، وإعادة تشكيل المفاهيم المجتمعية، والانفتاح الثقافي.
لعب المقال الأدبي دورًا بارزًا في نقل فكر النخبة إلى الشارع الثقافي. وظهر كتاب ومفكرون سعوديون في طليعة من أسهموا في نشر مفاهيم التنمية، والوعي المدني، والانفتاح الفكري، من خلال مقالاتهم في الصحف والمنصات الرقمية. لقد تحول المقال إلى منصة لنقد السياسات التقليدية، والمطالبة بخلق بيئات حاضنة للإبداع، وتقدير المثقف بوصفه شريكًا في صناعة الوعي لا مجرد ناقل للمعلومة.
لقد شهد الأدب السعودي تحوّلًا في وسائط النشر، فظهر ما يمكن تسميته بـ ”النثر الرقمي“، حيث أصبحت المدونات، والتغريدات، والمقالات القصيرة عبر وسائل التواصل، شكلاً جديدًا من التعبير الأدبي. وفي هذا المجال، أظهر الشباب السعودي قدرة مدهشة على اختزال الرؤية والطموح في عبارات موجزة لكنها عميقة، ما أسهم في توسيع دائرة الوعي المجتمعي، خصوصًا بين الفئات الناشئة.
إن النثر السعودي في ظل رؤية 2030 لم يعد ترفًا ثقافيًا، بل أصبح أداة استراتيجية لصناعة الوعي الوطني، ودعامة أساسية لبناء مجتمع حيوي مثقف، يدرك ذاته، ويعي موقعه في العالم. إنه تعبير صادق عن روح المرحلة، وشريك حقيقي في البناء، والحوار، والانفتاح، والتنمية المستدامة.
لقد أثبت النثر السعودي، وهو يواكب نبض التحول، أنه ليس مجرد انعكاس للواقع، بل هو فاعل فيه، يصوغ الأسئلة ويقترح الإجابات، ويؤسس لثقافة جديدة تتماشى مع طموحات المملكة في ظل رؤيتها الطموحة. فبين السطور تكمن البوصلة، وبالكلمات يُرسم المستقبل.