آخر تحديث: 26 / 8 / 2025م - 11:56 م

لقمة عناد وصورة بلا طعم

رضي منصور العسيف *

كانت الأم تمسك بيد طفلها الصغير، ذي الخمس سنوات، وقد علت وجهها ابتسامة مصطنعة تُخفي خلفها مزيجًا من الحماس والقلق. جلست به على مائدة الفندق الفاخرة، وقالت بنبرة مفعمة بالمودة:

— ”ما أجملك يا عزيزي… هيا بنا نتناول وجبة الإفطار!“

أشارت بيدها إلى الأطباق أمامه:

— ”انظر يا حبيبي… هذا البيض بالخضار، لذيذ وصحي. وهذه الجبنة البيضاء… لقد اخترت لك أجمل الأطعمة التي يسمونها بالغذاء الصحي.“

ثم أتبعت ضحكتها بخفة:

— ”هيا كل يا ولدي، وسنلتقط صورة جميلة نرسلها لخالتك، لترى فطورنا اليوم في هذا الفندق الراقي.“

لكن الطفل ظل صامتًا، كأن بينه وبين الطعام خصومة قديمة.

ارتفع صوت الأم قليلًا، ونفد صبرها:

— ”لا تدعني أغضب عليك… هيا كل!“

مد الصغير يده نحو الأطباق، فتهلّل وجهها ظنًا أنه استجاب… لكنه دفع الأطباق بعيدًا عنه في هدوء متحدٍّ!

— ”يا لك من عنيد!“ صاحت الأم بنبرة ملؤها الامتعاض، ثم أشارت إلى من حوله:

— ”انظر إلى الناس، كلهم يأكلون، وأنت الوحيد الممتنع. كيف ستكبر مثلهم؟“

حاولت معه مرة أخرى، صوتها هذه المرة يختلط بالرجاء:

— ”فقط لقمة واحدة، وصورة واحدة للسناب… هيا، لا تُغضب الماما.“

أخيرًا التقط الصغير لقمة صغيرة ووضعها في فمه، فبادرت هي بالتقاط صورة سريعة، ثم نظرت إليها باستياء:

— ”لا، لا تبدو جميلة… هيا مرة أخرى!“

لكن الطفل ظل صامتًا، كأنه يعلن هزيمتها بابتسامة خفية في عينيه.

— ”أنت عنيد بحق… هيا فلنأكل، لقد دفعنا ثمن هذا الفطور، لا تجعلنا نخسره!“

— ”ماما… أنا شبعان، لا أريد.“

حاولت إغراؤه:

— ”إذا أكلت سأشتري لك لعبة جديدة، وسنذهب إلى الألعاب!“

لكن كلماته كانت حاسمة:

— ”لا أريد… أنا شبعان.“

تنهدت الأم في استسلام، وقالت بصوت متهكم:

— ”أعرفك… متعود على الكورن فلكس والحليب فقط! هيا، سنلتقط صورة ونكتب: الأمير الصغير يتناول فطوره الصحي في فندق الخمس نجوم!“

وفي لحظة غافلة، لمست يدها كوب القهوة، فانسكب على الطاولة، ولطخ عباءتها ببقعٍ داكنة!

— ”أرأيت ماذا صنعت؟ أيها المتعب… يا أبو الخساير! لا تجيد إلا العناد ورفع الضغط!“

فجأة دوّى صوت قوي خلفهما، كأن شيئًا ارتطم بالأرض. التفتت الأم مذعورة، فإذا بصحن كبير من الحلويات قد انقلب وسقط على الأرض بعد أن اصطدم به طفل آخر يجري مسرعًا، متعثرًا بلعبته.

صرخ أحد الأطفال ضاحكًا:

— ”انظروا! انكسرت الشوكولاتة!“

ارتبك الجميع، وبدأ الموظفون يهرعون لتنظيف المكان، بينما نظر طفلها إليها بعينين لامعتين وقال مبتسمًا لأول مرة:

— ”ماما… أريد أن أذهب إلى هناك!“

كأنه وجد في تلك الفوضى المبهجة سببًا ليكسر عناده، ويشارك الأطفال الآخرين لحظتهم الممتعة.

ابتسمت الأم بدهشة، وقد شعرت أن الطفل لم يكن يرفض الطعام… بل يفتقد تلك اللحظة المليئة بالحركة والحياة، لا صورة صامتة لسناب شاحب بلا روح.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
كوثر يوسف
6 / 8 / 2025م - 7:59 م
القصة تحمل رسالة تربوية مهمة: الطفل يحتاج التفاعل والمرح أكثر من الإطعام بالغصب أو استعراض الوجبات.
2
زهراء خليف
6 / 8 / 2025م - 11:43 م
الحياة ليست لقطة للسناب بل تفاعل حي بيننا وبين من نحب
كاتب وأخصائي تغذية- القطيف